حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، " ﴿وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ﴾ [يوسف: ٤٢] وَإِنَّمَا عِبَارَةُ الرُّؤْيَا بِالظَّنِّ، فَيَحِقُّ اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيَبْطُلُ مَا يَشَاءُ " وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ قَتَادَةُ مِنْ أَنَّ عِبَارَةَ الرُّؤْيَا ظَنٌّ، فَإِنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ مِنْ غَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ. فَأَمَّا الْأَنْبِيَاءُ فَغَيْرُ جَائِزٍ مِنْهَا أَنْ تُخْبِرَ بِخَبَرٍ عَنْ أَمْرٍ أَنَّهُ كَائِنٌ ثُمَّ لَا يَكُونُ، أَوْ أَنَّهُ غَيْرُ كَائِنٍ ثُمَّ يَكُونُ مَعَ شَهَادَتِهَا عَلَى حَقِيقَةِ مَا أَخْبَرَتْ عَنْهُ أَنَّهُ كَائِنٌ أَوْ غَيْرُ كَائِنٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَوْ جَازَ عَلَيْهَا فِي إِخْبَارِهَا لَمْ يُؤْمَنْ مِثْلُ ذَلِكَ فِي كُلِّ أَخْبَارِهَا، وَإِذَا لَمْ يُؤْمَنْ ذَلِكَ فِي أَخْبَارِهَا سَقَطَتْ حُجَّتُهَا عَلَى مَنْ أُرْسِلَتْ إِلَيْهِ. فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ كَانَ غَيْرُ جَائِزٍ عَلَيْهَا أَنْ تُخْبِرَ بِخَبَرٍ إِلَّا وَهُوَ حَقٌّ وَصِدْقٌ. فَمَعْلُومٌ إِذْ كَانَ الْأَمْرُ عَلَى مَا وَصَفْتُ أَنَّ يُوسُفَ لَمْ يَقْطَعِ الشَّهَادَةَ عَلَى مَا أَخْبَرَ الْفَتَيَيْنِ اللَّذَيْنِ اسْتَعْبَرَاهُ أَنَّهُ كَائِنٌ، فَيَقُولُ لِأَحَدِهِمَا: ﴿أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا وَأَمَّا الْآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ﴾ [يوسف: ٤١] ثُمَّ يُؤَكِّدُ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: ﴿قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ﴾ [يوسف: ٤١] عِنْدَ قَوْلِهِمَا: لَمْ تَرَ شَيْئًا، إِلَّا وَهُوَ عَلَى يَقِينٍ أَنَّ مَا أَخْبَرَهُمَا -[١٧٢]- بِحُدُوثِهِ، وَكَوْنِهِ أَنَّهُ كَائِنٌ لَا مَحَالَةَ لَا شَكَّ فِيهِ، وَلِيَقِينِهِ بِكَوْنِ ذَلِكَ قَالَ لِلْنَاجِي مِنْهُمَا: ﴿اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ﴾ [يوسف: ٤٢] فَبَيَّنَ إِذَنْ بِذَلِكَ فَسَادَ الْقَوْلِ الَّذِي قَالَهُ قَتَادَةُ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِنْهُمَا﴾ [يوسف: ٤٢]