ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ: ﴿يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ﴾ [الرعد: ١١] قَالَ: «يَحْفَظُونَ عَلَيْهِ مِنَ اللَّهِ». قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَعْنِي ابْنَ جُرَيْجٍ بِقَوْلِهِ: يَحْفَظُونَ عَلَيْهِ الْمَلَائِكَةَ الْمُوَكَّلَةَ بِابْنِ آدَمَ، بِحِفْظِ حَسَنَاتِهِ وَسَيِّئَاتِهِ، وَهِيَ الْمُعَقِّبَاتُ عِنْدَنَا، تَحْفَظُ عَلَى ابْنِ آدَمَ حَسَنَاتَهُ وَسَيِّئَاتَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿مِنْ أَمْرِ اللَّهِ﴾ [هود: ٤٣] أَنَّ الْحَفَظَةَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ، أَوْ تَحْفَظُ بِأَمْرِ اللَّهِ، وَيَجِبُ أَنْ تَكُونَ الْهَاءُ الَّتِي فِي قَوْلِهِ: ﴿يَحْفَظُونَهُ﴾ [الرعد: ١١] وُحِّدَتْ وَذُكِّرَتْ، وَهِيَ مُرَادٌ بِهَا الْحَسَنَاتُ وَالسَّيِّئَاتُ، لِأَنَّهَا كِنَايَةٌ عَنْ ذِكْرِ مَنِ الَّذِي هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ، وَأَنْ يَكُونَ الْمُسْتَخْفِي بِاللَّيْلِ، أُقِيمَ ذِكْرُهُ مَقَامَ الْخَبَرِ عَنْ سَيِّئَاتِهِ وَحَسَنَاتِهِ، كَمَا قِيلَ: ﴿وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا﴾ [يوسف: ٨٢] وَكَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدٍ يَقُولُ فِي ذَلِكَ خِلَافَ هَذِهِ الْأَقْوَالِ كُلِّهَا
حَدَّثني يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ﴾ [الرعد: ١٠] قَالَ: أَتَى عَامِرُ بْنُ الطُّفَيْلِ، وَأَرْبَدُ بْنُ رَبِيعَةَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ عَامِرٌ: مَا تَجْعَلُ لِي إِنْ أَنَا اتَّبَعْتُكُ؟ قَالَ: «أَنْتَ فَارِسٌ، -[٤٦٨]- أُعْطِيكَ أَعِنَّةَ الْخَيْلِ» قَالَ: لَا قَالَ: «فَمَا تَبْغِي؟» قَالَ: لِيَ الشَّرْقُ وَلَكَ الْغَرْبُ، قَالَ: «لَا» قَالَ: فَلِيَ الْوَبَرُ وَلَكَ الْمَدَرُ قَالَ: «لَا» قَالَ: لَأَمْلَأَنَّهَا عَلَيْكَ إِذًا خَيْلًا وَرِجَالًا، قَالَ: «يَمْنَعُكَ اللَّهُ ذَاكَ وَأَبْنَاءُ قِيلَةَ» يُرِيدُ الْأَوْسَ وَالْخَزْرَجَ قَالَ: فَخَرَجَا، فَقَالَ عَامِرٌ لِأَرْبَدَ: إِنْ كَانَ الرَّجُلُ لَنَا لَمُمْكِنًا، لَوْ قَتَلْنَاهُ مَا انْتَطَحَتْ فِيهِ عَنْزَانِ، وَلَرَضُوا بِأَنْ نَعْقِلَهُ لَهُمْ، وَأَحَبُّوا السِّلْمَ، وَكَرِهُوا الْحَرْبَ إِذَا رَأَوْا أَمْرًا قَدْ وَقَعَ، فَقَالَ الْآخَرُ: إِنْ شِئْتَ، فَتَشَاوَرَا، وَقَالَ: ارْجِعْ وَأَنَا أَشْغَلُهُ عَنْكَ بِالْمُجَادَلَةِ، وَكُنْ وَرَاءَهُ فَاضْرِبْهُ بِالسَّيْفِ ضَرْبَةً وَاحِدَةً فَكَانَا كَذَلِكَ، وَاحِدٌ وَرَاءَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالْآخَرُ قَالَ: اقْصُصْ عَلَيْنَا قَصَصَكَ، قَالَ: مَا يَقُولُ قُرْآنُكَ؟ فَجَعَلَ يُجَادِلُهُ وَيَسْتَبْطِئُهُ حَتَّى قَالَ: مَالَكَ، أَحْشَمْتَ؟ قَالَ: وَضَعْتُ يَدِي عَلَى قَائِمِ سَيْفِي فَيَبَسَتْ، فَمَا قَدَرْتُ عَلَى أَنْ أُحْلَى وَلَا أُمِرَّ وَلَا أُحَرِّكُهَا، قَالَ: فَخَرَجَا فَلَمَّا كَانَا بِالْحَرَّةِ سَمِعَ بِذَلِكَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ وَأُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ، فَخَرَجَا إِلَيْهِمَا، عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَأْمَتُهُ وَرُمْحُهُ بِيَدِهِ وَهُوَ مُتَقَلِّدٌ سَيْفَهُ، فَقَالَا لِعَامِرِ بْنِ -[٤٦٩]- الطُّفَيْلِ: يَا أَعْوَرُ، يَا خَبِيثُ، يَا أَمْلَخُ، أَنْتَ الَّذِي تَشْتَرِطُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ لَوْلَا أَنَّكَ فِي أَمَانٍ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا رُمْتَ الْمَنْزِلَ حَتَّى ضَرَبْتُ عُنُقَكَ، وَلَكِنْ لَا تَسْتَبْقِيَنَّ وَكَانَ أَشَدُّ الرَّجُلَيْنِ عَلَيْهِ أُسَيْدُ بْنُ الْحُضَيْرِ، فَقَالَ: مَنْ هَذَا؟ فَقَالُوا: أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ فَقَالَ: لَوْ كَانَ أَبُوهُ حَيًّا لَمْ يَفْعَلْ بِي هَذَا، ثُمَّ قَالَ لِأَرْبَدَ: اخْرُجْ أَنْتَ يَا أَرْبَدُ إِلَى نَاحِيَةِ عَذْبَةَ، وَأَخْرُجُ أَنَا إِلَى نَجْدٍ، فَنَجْمَعُ الرِّجَالَ فَنَلْتَقِي عَلَيْهِ فَخَرَجَ أَرْبَدُ حَتَّى إِذَا كَانَ بِالرَّقْمِ بَعَثَ اللَّهُ سَحَابَةً مِنَ الصَّيْفِ فِيهَا صَاعِقَةٌ فَأَحْرَقَتْهُ، قَالَ: وَخَرَجَ عَامِرٌ، حَتَّى إِذَا كَانَ بِوَادٍ يُقَالُ لَهُ الْجَرِيرُ، أَرْسَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ الطَّاعُونَ، فَجَعَلَ يَصِيحُ: يَا آلَ عَامِرٍ، أَغُدَّةٌ كَغُدَّةِ الْبِكْرِ تَقْتُلُنِي، يَا آلَ عَامِرٍ أَغُدَّةٌ كَغُدَّةِ الْبِكْرِ تَقْتُلُنِي، وَمَوْتٌ أَيْضًا فِي بَيْتِ سَلُولِيَّةٍ وَهِيَ امْرَأَةٌ مِنْ قَيْسٍ، فَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ: ﴿سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ﴾ [الرعد: ١٠] فَقَرَأَ حَتَّى بَلَغَ: ﴿يَحْفَظُونَهُ﴾ [الرعد: ١١] تِلْكَ الْمُعَقِّبَاتُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ، هَذَا مُقَدَّمٌ وَمُؤَخَّرٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُعَقِّبَاتٌ يَحْفَظُونَهُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ، تِلْكَ الْمُعَقِّبَاتُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ، وَقَالَ لِهَذَيْنِ: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾ [الرعد: ١١] فَقَرَأَ حَتَّى -[٤٧٠]- بَلَغَ: ﴿وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ﴾ [الرعد: ١٣] الْآيَةَ، فَقَرَأَ حَتَّى بَلَغَ: ﴿وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ﴾ [الرعد: ١٤]. قَالَ: وَقَالَ لَبِيدٌ فِي أَخِيهِ أَرْبَدَ، وَهُوَ يَبْكِيهِ:
[البحر المنسرح]

أَخْشَى عَلَى أَرْبَدَ الْحُتُوفَ وَلَا أَرْهَبُ نَوْءَ السِّمَاكِ وَالْأَسَدِ
فَجَّعَنِي الرَّعْدُ وَالصَّوَاعِقُ بِالْـ ــفَارِسِ يَوْمَ الْكَرِيهَةِ النَّجُدِ
". قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَهَذَا الْقَوْلُ الَّذِي قَالَهُ ابْنُ زَيْدٍ فِي تَأْوِيلِ هَذِهِ الْآيَةِ قَوْلٌ بَعِيدٌ مِنْ تَأْوِيلِ الْآيَةِ مَعَ خِلَافِهِ أَقْوَالَ مَنْ ذَكَرْنَا قَوْلَهُ مِنْ أَهْلِ التَّأْوِيلِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ جَعَلَ الْهَاءَ فِي قَوْلِهِ: ﴿لَهُ مُعَقِّبَاتٌ﴾ [الرعد: ١١] مِنْ ذِكْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَمْ يَجْرِ لَهُ فِي الْآيَةِ الَّتِي قَبْلَهَا وَلَا فِي الَّتِي قَبْلَ الْأُخْرَى ذِكْرٌ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ أَرَادَ أَنْ يَرُدَّهَا عَلَى قَوْلِهِ: ﴿إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ، وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ﴾ [الرعد: ٧]، ﴿لَهُ مُعَقِّبَاتٌ﴾ [الرعد: ١١] فَإِنْ كَانَ أَرَادَ ذَلِكَ، فَذَلِكَ بَعِيدٌ لِمَا بَيْنَهُمَا مِنَ الْآيَاتِ بِغَيْرِ ذِكْرِ الْخَبَرِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ، فَكَوْنُهَا عَائِدَةٌ عَلَى «مَنْ» الَّتِي فِي قَوْلِهِ: ﴿وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ﴾ [الرعد: ١٠] أَقْرَبُ، لِأَنَّهُ قَبْلَهَا وَالْخَبَرُ بَعْدَهَا عَنْهُ فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَتَأْوِيلُ -[٤٧١]- الْكَلَامِ: سَوَاءٌ مِنْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ، وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِفِسْقِهِ وَرِيبَتِهِ فِي ظُلْمَةِ اللَّيْلِ، وَسَارِبٌ: يَذْهَبُ وَيَجِيءُ فِي ضَوْءِ النَّهَارِ مُمْتَنِعًا بِجُنْدِهِ وَحَرَسِهِ الَّذِينَ يَتَعَقَّبُونَهُ مِنْ أَهْلِ طَاعَةِ اللَّهِ أَنْ يَحُولُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا يَأْتِي مِنْ ذَلِكَ، وَأَنْ يُقِيمُوا حَدَّ اللَّهِ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ﴾ [الرعد: ١١]


الصفحة التالية