فَفِي قَوْلِهِ: ﴿يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ﴾ [إبراهيم: ٣] وَلِذَلِكَ أُدْخِلَتْ «عَلَى» وَقَدْ بَيَّنْتُ هَذَا وَنَظَائِرَهُ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنَ الْكِتَابِ، بِمَا أَغْنَى عَنِ الْإِعَادَةِ
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ، فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ، وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ، وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ [إبراهيم: ٤] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَّةٍ مِنَ الْأُمَمِ يَا مُحَمَّدُ مِنْ قَبْلِكَ وَمِنْ قَبْلِ قَوْمِكَ رَسُولًا إِلَّا بِلِسَانِ الْأُمَّةِ الَّتِي أَرْسَلْنَاهُ إِلَيْهَا وَلُغَتِهِمْ، ﴿لِيُبَيِّنَ لَهُمْ﴾ [إبراهيم: ٤] يَقُولُ: لِيُفْهِمَهُمْ مَا أَرْسَلَهُ اللَّهُ بِهِ إِلَيْهِمْ مِنْ أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ، لِيُثْبِتَ حُجَّةَ اللَّهِ عَلَيْهِمْ، ثُمَّ التَّوْفِيقُ وَالْخِذْلَانُ بِيَدِ اللَّهِ، فَيَخْذِلَ عَنْ قَبُولِ مَا أَتَاهُ بِهِ رَسُولُهُ مِنْ عِنْدِهِ مَنْ شَاءَ مِنْهُمْ، وَيُوَفِّقُ لِقَبُولِهِ مَنْ شَاءَ، وَلِذَلِكَ رَفَعَ «فَيُضِلُّ»، لِأَنَّهُ أُرِيدَ بِهِ الِابْتِدَاءُ لَا الْعَطْفُ عَلَى مَا قَبْلَهُ، كَمَا قِيلَ: ﴿لِنُبَيِّنَ لَكُمْ، وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ﴾ [الحج: ٥] وَهُوَ الْعَزِيزُ الَّذِي لَا يَمْتَنِعُ مِمَّا أَرَادَهُ مِنْ ضَلَالٍ أَوْ هِدَايَةٍ مَنْ أَرَادَ ذَلِكَ بِهِ، وَالْحَكِيمُ فِي تَوْفِيقِهِ لِلْإِيمَانِ مَنْ وَفَّقَهُ لَهُ وَهِدَايَتُهُ لَهُ مَنْ هَدَاهُ إِلَيْهِ، وَفِي إِضْلَالِهِ مَنْ أَضَلَّ عَنْهُ، وَفِي غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ تَدْبِيرِهِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ


الصفحة التالية
Icon