وَكَانَ بَعْضُ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ يَقُولُ: مَعْنَاهُ: خَوَّفَهُمْ بِمَا نَزَلَ بِعَادٍ وَثَمُودَ وَأَشْبَاهِهِمْ مِنَ الْعَذَابِ، وَبِالْعَفْوِ عَنِ الْآخَرِينَ قَالَ: وَهُوَ فِي الْمَعْنَى كَقَوْلِكَ: خُذْهُمْ بِالشِّدَّةِ وَاللِّينِ، وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُمْ: قَدْ وَجَدْنَا لِتَسْمِيَةِ النِّعَمِ بِالْأَيَّامِ شَاهِدًا فِي كَلَامِهِمْ، ثُمَّ اسْتَشْهَدَ لِذَلِكَ بِقَوْلِ عَمْرِو بْنِ كُلْثُومٍ:
[البحر الوافر]
وَأَيَّامٍ لَنَا غُرٍّ طُوَالٍ | عَصَيْنَا الْمَلْكَ فِيهَا أَنْ نَدِينَا |
وَقَالَ: فَقَدْ يَكُونُ إِنَّمَا جَعَلَهَا غُرًّا طُوَالًا لِإِنْعَامِهِمْ عَلَى النَّاسِ فِيهَا. وَقَالَ: فَهَذَا شَاهِدٌ لِمَنْ قَالَ:
﴿وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ﴾ [إبراهيم: ٥] بِنِعَمِ اللَّهِ ثُمَّ قَالَ: وَقَدْ يَكُونُ تَسْمِيَتُهَا غُرًّا، لِعُلُوِّهِمْ عَلَى الْمَلِكِ وَامْتِنَاعِهِمْ مِنْهُ، فَأَيَّامُهُمْ غُرٌّ لَهُمْ وَطُوَالٌ عَلَى أَعْدَائِهِمْ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَلَيْسَ لِلَّذِي قَالَ هَذَا الْقَوْلَ، مِنْ أَنَّ فِي هَذَا الْبَيْتِ دَلِيلًا عَلَى أَنَّ الْأَيَّامَ مَعْنَاهَا النِّعَمُ وَجْهٌ، لِأَنَّ عَمْرَو بْنَ كُلْثُومٍ إِنَّمَا وَصَفَ مَا وَصَفَ مِنَ الْأَيَّامِ بِأَنَّهَا غُرٌّ، لِعِزِّ عَشِيرَتِهِ فِيهَا، وَامْتِنَاعِهِمْ عَلَى الْمَلِكِ مِنَ الْإِذْعَانِ لَهُ بِالطَّاعَةِ، وَذَلِكَ كَقَوْلِ النَّاسِ: مَا كَانَ لِفُلَانٍ قَطُّ يَوْمٌ أَبْيَضُ، يَعْنُونَ بِذَلِكَ: أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ يَوْمٌ مَذْكُورٌ بِخَيْرٍ، وَأَمَّا وَصْفُهُ إِيَّاهَا بِالطُّولِ، فَإِنَّهَا لَا تُوصَفُ بِالطُّولِ إِلَّا فِي حَالِ شِدَّةٍ، كَمَا قَالَ النَّابِغَةُ:
[البحر الطويل]
كِلِينِي لِهَمٍّ يَا أُمَيْمَةَ نَاصِبِ | وَلَيْلٍ أُقَاسِيهِ بَطِيءِ الْكَوَاكِبِ |
فَإِنَّمَا وَصَفَهَا عَمْرُو بِالطُّولِ لِشِدَّةِ مَكْرُوهِهَا عَلَى أَعْدَاءِ قَوْمِهِ، وَلَا وَجْهَ لِذَلِكَ