وَقَوْلُهُ: ﴿فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ﴾ [إبراهيم: ١٣] الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ، فَأَوْجَبُوا لَهَا عِقَابَ اللَّهِ بِكُفْرِهِمْ، وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قِيلَ لَهُمُ: الظَّالِمُونَ لِعِبَادَتِهِمْ، مَنْ لَا تَجُوزُ عِبَادَتُهُ مِنَ الْأَوْثَانِ وَالْآلِهَةِ، فَيَكُونُ بِوَضْعِهِمُ الْعِبَادَةَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهَا إِذْ كَانَ ظُلْمًا سُمُّوا بِذَلِكَ ظَالِمِينَ
وَقَوْلُهُ: ﴿وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ﴾ [إبراهيم: ١٤] هَذَا وَعَدٌ مِنَ اللَّهِ مَنْ وَعَدَ مِنْ أَنْبِيَائِهِ النَّصْرَ عَلَى الْكَفَرَةِ بِهِ مِنْ قَوْمِهِ، يَقُولُ: لَمَّا تَمَادَتْ أُمَمُ الرُّسُلِ فِي الْكُفْرِ، وَتَوَعَّدُوا رُسُلَهُمْ بِالْوُقُوعِ بِهِمْ، أَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِمْ بِإِهْلَاكِ مَنْ كَفَرَ بِهِمْ مِنْ أُمَمِهِمْ وَوَعَدَهُمُ النَّصْرَ وَكُلُّ ذَلِكَ كَانَ مِنَ اللَّهِ وَعِيدًا وَتَهْدِيدًا لِمُشْرِكِي قَوْمِ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى كُفْرِهِمْ بِهِ وَجَرَاءَتِهِمْ عَلَى نَبِيِّهِ، وَتَثْبِيتًا لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَمْرًا لَهُ بِالصَّبْرِ عَلَى مَا لَقِيَ مِنَ الْمَكْرُوهِ فِيهِ مِنْ مُشْرِكِي قَوْمِهِ، كَمَا صَبَرَ مَنْ كَانَ قَبْلَهُ مِنْ أُولِي الْعَزْمِ مِنْ رُسُلِهِ، وَمَعْرِفَةَ أَنَّ عَاقِبَةَ أَمْرِ مَنْ كَفَرَ بِهِ الْهَلَاكُ، وَعَاقِبَتَهُ النَّصْرُ عَلَيْهِمْ، ﴿سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ﴾ [الأحزاب: ٣٨]
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ﴾ [إبراهيم: ١٤] قَالَ: «وَعَدَهُمُ النَّصْرَ فِي الدُّنْيَا، وَالْجَنَّةَ فِي الْآخِرَةِ»
وَقَوْلُهُ: ﴿ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ﴾ [إبراهيم: ١٤] يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: هَكَذَا فِعْلِي لِمَنْ خَافَ مَقَامَهُ بَيْنَ يَدَيَّ، وَخَافَ وَعِيدِي، فَاتَّقَانِي بِطَاعَتِهِ وَتَجَنَّبَ سَخَطِي، أَنْصُرُهُ عَلَى مَنْ أَرَادَ بِهِ سُوءًا وَبَغَاهُ مَكْرُوهًا مِنْ أَعْدَائِي، أُهْلِكْ عَدُوَّهُ وَأَخْزِيهِ، وَأُوَرِّثُهُ أَرْضَهُ وَدِيَارَهُ، وَقَالَ: ﴿لِمَنْ خَافَ مَقَامِي﴾ [إبراهيم: ١٤] وَمَعْنَاهُ مَا -[٦١٤]- قُلْتُ مِنْ أَنَّهُ لِمَنْ خَافَ مَقَامَهِ بَيْنَ يَدَيَّ بِحَيْثُ أُقِيمُهُ هُنَالِكَ لِلْحِسَابِ، كَمَا قَالَ: ﴿وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ﴾ [الواقعة: ٨٢] مَعْنَاهُ: وَتَجْعَلُونَ رِزْقِي إِيَّاكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ، وَذَلِكَ أَنَّ الْعَرَبَ تُضِيفُ أَفْعَالَهَا إِلَى أَنْفُسِهَا، وَإِلَى مَا أَوْقَعَتْ عَلَيْهِ، فَتَقُولُ: قَدْ سُرِرْتُ بِرُؤْيَتِكَ وَبِرُؤْيَتِي إِيَّاكَ، فَكَذَلِكَ ذَلِكَ