اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ، لَا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَيْءٍ، ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ} [إبراهيم: ١٨] اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ فِي رَافِعِ ﴿مَثَلُ﴾ [البقرة: ١١٣]، فَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْبَصْرَةِ: إِنَّمَا هُوَ كَأَنَّهُ قَالَ: وَمِمَّا نَقَصَ عَلَيْكَ ﴿مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ [إبراهيم: ١٨] ثُمَّ أَقْبَلَ يُفَسِّرُ كَمَا قَالَ: ﴿مَثَلُ الْجَنَّةِ﴾ [الرعد: ٣٥] وَهَذَا كَثِيرٌ. وَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْكُوفِيِّينَ: إِنَّمَا الْمَثَلُ لِلْأَعْمَالِ، وَلَكِنَّ الْعَرَبَ تُقَدِّمُ الْأَسْمَاءَ لِأَنَّهَا أَعْرَفُ، ثُمَّ تَأْتِي بِالْخَبَرِ الَّذِي تُخْبِرُ عَنْهُ مَعَ صَاحِبِهِ، وَمَعْنَى الْكَلَامِ: مَثَلُ أَعْمَالِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ كَرَمَادٍ، كَمَا قِيلَ: ﴿وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ﴾ [الزمر: ٦٠] وَمَعْنَى الْكَلَامِ: تَرَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ وُجُوهَ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ مُسْوَدَّةً قَالَ: وَلَوْ خَفَضَ الْأَعْمَالَ جَازَ، كَمَا قَالَ: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ﴾ [البقرة: ٢١٧] الْآيَةَ وَقَوْلُهُ: ﴿مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ﴾ [الرعد: ٣٥] قَالَ: " فَتَجْرِي هُوَ فِي مَوْضِعِ الْخَبَرِ، كَأَنَّهُ قَالَ: أَنْ تَجْرِيَ، وَأَنْ يَكُونَ كَذَا وَكَذَا، فَلَوْ أَدْخَلَ «أَنَّ» جَازَ، قَالَ: وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
[البحر الوافر]

ذَرِينِي إِنَّ أَمْرَكِ لَنْ يُطَاعَا وَمَا أَلْفَيْتِنِي حِلْمِي مُضَاعَا
قَالَ: فَالْحِلْمُ مَنْصُوبٌ بِـ «أَلْفَيْتِ» عَلَى التَّكْرِيرِ، قَالَ: وَلَوْ رَفَعَهُ كَانَ صَوَابًا. قَالَ: وَهَذَا مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ لِأَعْمَالِ الْكُفَّارِ، فَقَالَ: مَثَلُ أَعْمَالِ الَّذِينَ كَفَرُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ الَّتِي كَانُوا يَعْمَلُونَهَا فِي الدُّنْيَا يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ يُرِيدُونَ اللَّهَ بِهَا، مَثَلُ رَمَادٍ


الصفحة التالية
Icon