حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: ثني يَحْيَى بْنُ عَبَّادٍ قَالَ: ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: " جَاءَ نَبِيُّ اللَّهِ إِبْرَاهِيمُ بِإِسْمَاعِيلَ وَهَاجَرَ، فَوَضَعَهُمَا بِمَكَّةَ فِي مَوْضِعِ زَمْزَمَ، فَلَمَّا مَضَى نَادَتْهُ هَاجَرُ: يَا إِبْرَاهِيمُ، إِنَّمَا أَسْأَلُكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ: مَنْ أَمَرَكَ أَنْ تَضَعَنِيَ بِأَرْضٍ لَيْسَ فِيهَا ضَرْعٌ، وَلَا زَرْعٌ، وَلَا أَنِيسٌ، وَلَا زَادٌ، وَلَا مَاءٌ؟ قَالَ: رَبِّي أَمَرَنِي، قَالَتْ: فَإِنَّهُ لَنْ يُضَيِّعَنَا. قَالَ: فَلَمَّا قَفَّا إِبْرَاهِيمُ قَالَ: ﴿رَبَّنَا إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ﴾ [إبراهيم: ٣٨] يَعْنِي مِنَ الْحُزْنِ ﴿وَمَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ﴾ [إبراهيم: ٣٨] فَلَمَّا ظَمِئَ إِسْمَاعِيلُ جَعَلَ يَدْحَضُ الْأَرْضَ بِعَقِبِهِ، فَذَهَبَتْ هَاجَرُ حَتَّى عَلَتِ الصَّفَا، وَالْوَادِي يَوْمَئِذٍ لَاخٍ، يَعْنِي عَمِيقٌ، فَصَعِدَتِ الصَّفَا، فَأَشْرَفَتْ لِتَنْظُرَ هَلْ تَرَى شَيْئًا، فَلَمْ تَرَ شَيْئًا، فَانْحَدَرَتْ فَبَلَغَتِ الْوَادِي، فَسَعَتْ فِيهِ حَتَّى خَرَجَتْ مِنْهُ، فَأَتَتِ الْمَرْوَةَ، فَصَعِدَتْ، فَاسْتَشْرَفَتْ هَلْ تَرَ شَيْئًا، فَلَمْ تَرَ شَيْئًا، فَفَعَلَتْ ذَلِكَ سَبْعَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ جَاءَتْ مِنَ الْمَرْوَةِ إِلَى إِسْمَاعِيلَ، وَهُوَ يَدْحَضُ الْأَرْضَ بِقَعْبِهِ، وَقَدْ نَبَعَتِ الْعَيْنُ وَهِيَ زَمْزَمُ فَجَعَلَتْ تَفْحَصُ الْأَرْضَ بِيَدِهَا عَنِ الْمَاءِ، فَكُلَّمَا اجْتَمَعَ مَاءٌ أَخَذَتْهُ بِقَدَحِهَا، وَأَفْرَغَتْهُ فِي سِقَائِهَا. قَالَ: فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَرْحَمُهَا اللَّهُ، لَوْ تَرَكَتْهَا لَكَانَتْ عَيْنًا سَائِحَةً تَجْرِي إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ». قَالَ: وَكَانَتْ جُرْهُمُ يَوْمَئِذٍ بِوَادٍ قَرِيبٍ مِنْ مَكَّةَ، قَالَ: وَلَزِمَتِ الطَّيْرُ الْوَادِي حِينَ رَأَتِ الْمَاءَ، فَلَمَّا رَأَتْ جُرْهُمُ الطَّيْرَ لَزِمَتِ الْوَادِي، قَالُوا: مَا لَزِمَتْهُ إِلَّا وَفِيهِ مَاءٌ، فَجَاءُوا إِلَى هَاجَرَ، فَقَالُوا: إِنْ شِئْتِ كُنَّا مَعَكِ وَآنَسْنَاكِ وَالْمَاءُ مَاؤُكِ، قَالَتْ: نَعَمْ. فَكَانُوا مَعَهَا حَتَّى شَبَّ إِسْمَاعِيلُ، وَمَاتَتْ هَاجَرُ فَتَزَوَّجَ إِسْمَاعِيلُ امْرَأَةً مِنْهُمْ، قَالَ: فَاسْتَأْذَنَ إِبْرَاهِيمُ سَارَةَ أَنْ يَأْتِيَ هَاجَرَ فَأَذِنَتْ لَهُ، وَشَرَطَتْ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَنْزِلَ، فَقَدِمَ إِبْرَاهِيمُ وَقَدْ مَاتَتْ -[٦٩٣]- هَاجَرُ، فَذَهَبَ إِلَى بَيْتِ إِسْمَاعِيلَ، فَقَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَيْنَ صَاحِبُكِ؟ قَالَتْ: لَيْسَ هَهُنَا، ذَهَبَ يَتَصَيَّدُ، وَكَانَ إِسْمَاعِيلُ يَخْرُجُ مِنَ الْحَرَمِ فَيَتَصَيَّدُ ثُمَّ يَرْجِعُ، فَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: هَلْ عِنْدَكَ ضِيَافَةٌ، هَلْ عِنْدَكَ طَعَامٌ أَوْ شَرَابٌ؟ قَالَتْ: لَيْسَ عِنْدِي، وَمَا عِنْدِي أَحَدٌ. فَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: إِذَا جَاءَ زَوْجُكِ فَأَقْرِئِيهِ السَّلَامَ وَقُولِي لَهُ: فَلْيُغَيِّرْ عَتَبَةَ بَابِهِ وَذَهَبَ إِبْرَاهِيمُ، وَجَاءَ إِسْمَاعِيلُ، فَوَجَدَ رِيحَ أَبِيهِ، فَقَالَ لِامْرَأَتِهِ: هَلْ جَاءَكِ أَحَدٌ؟ فَقَالَتْ: جَاءَنِي شَيْخٌ كَذَا وَكَذَا، كَالْمُسْتَخِفَّةِ بِشَأْنِهِ، قَالَ: فَمَا قَالَ لَكِ؟ قَالَتْ: قَالَ لِي: أَقْرِئِي زَوْجَكِ السَّلَامَ وَقُولِي لَهُ: فَلْيُغَيِّرْ عَتَبَةَ بَابِهِ، فَطَلَّقَهَا وَتَزَوَّجَ أُخْرَى، فَلَبِثَ إِبْرَاهِيمُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَلْبَثَ، ثُمَّ اسْتَأْذَنَ سَارَةَ أَنْ يَزُورَ إِسْمَاعِيلَ، فَأَذِنَتْ لَهُ، وَشَرَطَتْ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَنْزِلَ، فَجَاءَ إِبْرَاهِيمُ حَتَّى انْتَهَى إِلَى بَابِ إِسْمَاعِيلَ، فَقَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَيْنَ صَاحِبُكِ؟ قَالَتْ: ذَهَبَ يَصِيدُ، وَهُوَ يَجِيءُ الْآنَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، فَانْزِلْ يَرْحَمُكَ اللَّهُ قَالَ لَهَا: هَلْ عِنْدَكِ ضِيَافَةٌ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ: هَلْ عِنْدَكِ خُبْزٌ أَوْ بُرٌّ أَوْ تَمْرٌ أَوْ شَعِيرٌ؟ قَالَتْ: لَا، فَجَاءَتْ بِاللَّبَنِ وَاللَّحْمِ، فَدَعَا لَهُمَا بِالْبَرَكَةِ، فَلَوْ جَاءَتْ يَوْمَئِذٍ بِخُبْزٍ أَوْ بُرٍّ أَوْ شَعِيرٍ أَوْ تَمْرٍ لَكَانَتْ أَكْثَرَ أَرْضِ اللَّهِ بُرًّا وَشَعِيرًا وَتَمْرًا، فَقَالَتْ لَهُ: انْزِلْ حَتَّى أَغْسِلَ رَأْسَكَ فَلَمْ يَنْزِلْ، فَجَاءَتْهُ بِالْمَقَامِ فَوَضَعَتْهُ عَنْ شِقِّهِ الْأَيْمَنِ، فَوَضَعَ قَدَمَهُ عَلَيْهِ، فَبَقِيَ أَثَرُ قَدَمِهِ عَلَيْهِ، فَغَسَلَتْ شِقَّ رَأْسِهِ الْأَيْمَنَ، ثُمَّ حَوَّلَتِ الْمَقَامَ إِلَى شِقِّهِ الْأَيْسَرِ فَغَسَلَتْ شِقَّهُ الْأَيْسَرَ، فَقَالَ لَهَا: إِذَا جَاءَ زَوْجُكِ فَأَقْرِئِيهِ السَّلَامَ، وَقُولِي لَهُ: قَدِ اسْتَقَامَتْ عَتَبَةُ بَابِكَ فَلَمَّا جَاءَ إِسْمَاعِيلُ وَجَدَ رِيحَ أَبِيهِ، فَقَالَ لِامْرَأَتِهِ: هَلْ جَاءَكِ أَحَدٌ؟ فَقَالَتْ: نَعَمْ، شَيْخٌ أَحْسَنُ النَّاسِ وَجْهًا، وَأَطْيَبُهُ رِيحًا، فَقَالَ لِي كَذَا وَكَذَا، وَقُلْتُ لَهُ كَذَا وَكَذَا، وَغَسَلْتُ رَأْسَهُ، وَهَذَا مَوْضِعُ قَدَمِهِ عَلَى الْمَقَامِ. قَالَ: وَمَا قَالَ لَكِ؟ قَالَتْ: قَالَ لِي: إِذَا -[٦٩٤]- جَاءَ زَوْجُكِ فَأَقْرِئِيهِ السَّلَامَ وَقُولِي لَهُ: قَدِ اسْتَقَامَتْ عَتَبَةُ بَابِكَ، قَالَ: ذَاكَ إِبْرَاهِيمُ، فَلَبِثَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَلْبَثَ، وَأَمَرَهُ اللَّهُ بِبِنَاءِ الْبَيْتِ، فَبَنَاهُ هُوَ وَإِسْمَاعِيلُ، فَلَمَّا بَنَيَاهُ قِيلَ: أَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ فَجَعَلَ لَا يَمُرُّ بِقَوْمٍ إِلَّا قَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّهُ قَدْ بُنِيَ لَكُمْ بَيْتٌ فَحُجُّوهُ، فَجَعَلَ لَا يَسْمَعْهُ أَحَدٌ، صَخْرَةُ وَلَا شَجَرَةٌ وَلَا شَيْءٌ، إِلَّا قَالَ: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ. قَالَ: وَكَانَ بَيْنَ قَوْلِهِ: ﴿رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ﴾ [إبراهيم: ٣٧] وَبَيْنَ قَوْلِهِ: ﴿الْحَمْدُ للَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ﴾ كَذَا وَكَذَا عَامًا ". لَمْ يَحْفَظْ عَطَاءٌ