وَغَيْرِهِمْ ﴿أَيْنَمَا يُوَجِّهُهُ لَا يَأْتِ بِخَيْرٍ﴾ [النحل: ٧٦] يَقُولُ: حَيْثُمَا يُوَجِّهُهُ لَا يَأْتِ بِخَيْرٍ، لِأَنَّهُ لَا يَفْهَمُ مَا يُقَالُ لَهُ، وَلَا يَقْدِرُ أَنْ يُعَبِّرَ عَنْ نَفْسِهِ مَا يُرِيدُ، فَهُوَ لَا يَفْهَمُ وَلَا يُفْهَمُ عَنْهُ، فَكَذَلِكَ الصَّنَمُ لَا يَعْقِلُ مَا يُقَالُ لَهُ فَيَأْتَمِرُ لِأَمْرٍ مِنْ أَمْرِهِ، وَلَا يَنْطِقُ فَيَأْمُرُ وَيَنْهَى، يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ﴾ [النحل: ٧٦] يَعْنِي: هَلْ يَسْتَوِي هَذَا الْأَبْكَمُ الْكَلُّ عَلَى مَوْلَاهُ الَّذِي لَا يَأْتِي بِخَيْرٍ حَيْثُ تَوَجَّهَ، وَمَنْ هُوَ نَاطِقٌ مُتَكَلِّمٌ يَأْمُرُ بِالْحَقِّ وَيَدْعُو إِلَيْهِ، وَهُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ، الَّذِي يَدْعُو عِبَادَهُ إِلَى تَوْحِيدِهِ وَطَاعَتِهِ؟ يَقُولُ: لَا يَسْتَوِي هُوَ تَعَالَى ذِكْرُهُ، وَالصَّنَمُ الَّذِي صِفَتُهُ مَا وَصَفَ، وَقَوْلُهُ: ﴿وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [النحل: ٧٦] يَقُولُ: وَهُوَ مَعَ أَمْرِهِ بِالْعَدْلِ، عَلَى طَرِيقٍ مِنَ الْحَقِّ فِي دُعَائِهِ إِلَى الْعَدْلِ وَأَمْرُهُ بِهِ مُسْتَقِيمٌ، لَا يَعْوَجُّ عَنِ الْحَقِّ، وَلَا يَزُولُ عَنْهُ. وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الْمَضْرُوبِ لَهُ هَذَا الْمَثَلُ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ فِي ذَلِكَ بِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِيهِ
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ﴾ [النحل: ٧٥] قَالَ: " هُوَ الْوَثَنُ ﴿هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ﴾ [النحل: ٧٦] قَالَ: " اللَّهُ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ ﴿وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [النحل: ٧٦] ". -[٣١١]- وَكَذَلِكَ كَانَ مُجَاهِدٌ يَقُولُ، إِلَّا أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: «الْمَثَلُ الْأَوَّلُ أَيْضًا ضَرَبَهُ اللَّهُ لِنَفْسِهِ وَلِلْوَثَنِ»