أَوْعَدَ قَوْمًا قَبْلَهَا عَلَى مَعْصِيَتِهِمْ إِيَّاهُ إِنْ عَصَوْهُ أَذَاقَهُمُ السُّوءَ فِي الدُّنْيَا وَالْعَذَابَ فِي الْآخِرَةِ، فَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَلَا تَتَّخِذُوا أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا، وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِمَا صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴾ [النحل: ٩٤] فَهَذَا لَهُمْ فِي الدُّنْيَا، وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ، فَهَذَا لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ ثُمَّ أَتْبَعَ ذَلِكَ مَا لِمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَطَاعَهُ فَقَالَ تَعَالَى: مَا عِنْدَكُمْ فِي الدُّنْيَا يَنْفَدُ، وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ، فَالَّذِي أَوْعَدَ أَهْلَ الْمَعَاصِي بِإِذَاقَتِهِمْ هَذِهِ السَّيِّئَةَ بِحِكْمَتِهِ أَرَادَ أَنْ يُعَقِّبَ ذَلِكَ الْوَعْدَ لِأَهْلِ طَاعَتِهِ بِالْإِحْسَانِ فِي الدُّنْيَا، وَالْغُفْرَانِ فِي الْآخِرَةِ، وَكَذَلِكَ فَعَلَ تَعَالَى ذِكْرُهُ. وَأَمَّا الْقَوْلُ الَّذِي رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ الرِّزْقُ الْحَلَالُ، فَهُوَ مُحْتَمَلٌ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ، مِنْ أَنَّهُ تَعَالَى يُقْنِعُهُ فِي الدُّنْيَا بِالَّذِي يَرْزُقُهُ مِنَ الْحَلَالِ وَإِنْ قَلَّ، فَلَا تَدَعُوهُ نَفْسُهُ إِلَى الْكَثِيرِ مِنْهُ مِنْ غَيْرِ حِلِّهِ، لَا أَنَّهُ يَرْزُقُهُ الْكَثِيرَ مِنَ الْحَلَالِ، وَذَلِكَ أَنَّ أَكْثَرَ الْعَامِلِينَ للَّهِ تَعَالَى بِمَا يَرْضَاهُ مِنَ الْأَعْمَالِ لَمْ نَرَهُمْ رُزِقُوا الرِّزْقَ الْكَثِيرَ مِنَ الْحَلَالِ فِي الدُّنْيَا، وَوَجَدْنَا ضِيقَ الْعَيْشِ عَلَيْهِمْ أَغْلَبَ مِنَ السَّعَةِ. وَقَوْلُهُ: ﴿وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [النحل: ٩٧] فَذَلِكَ لَا شَكَّ أَنَّهُ فِي الْآخِرَةِ، وَكَذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي أَبُو السَّائِبِ، قَالَ: ثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ سُمَيْعٍ، عَنْ أَبِي -[٣٥٦]- مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [النحل: ٩٧] قَالَ: «إِذَا صَارُوا إِلَى اللَّهِ جَزَاهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ». حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: ثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ سُمَيْعٍ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ، وَأَبِي الرَّبِيعِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، مِثْلَهُ


الصفحة التالية
Icon