عَلَى أَنَّهُ جَمْعُ كَذُوبٍ وَكُذْبٍ، مِثْلُ شَكُورٍ وَشُكْرٍ. وَالصَّوَابُ عِنْدِي مِنَ الْقِرَاءَةِ فِي ذَلِكَ نَصَبُ «الْكَذِبِ» لِإِجْمَاعِ الْحُجَّةِ مِنَ الْقُرَّاءِ عَلَيْهِ، فَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ إِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ لِمَا ذَكَرْنَا: وَلَا تَقُولُوا لِوَصْفِ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ فِيمَا رَزَقَ اللَّهُ عِبَادَهُ مِنَ الْمَطَاعِمِ: هَذَا حَلَالٌ، وَهَذَا حَرَامٌ، كَيْ تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ بِقِيلِكُمْ ذَلِكَ الْكَذِبَ، فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يُحَرِّمُ مِنْ ذَلِكَ مَا تُحَرِّمُونَ، وَلَا أَحَلَّ كَثِيرًا مِمَّا تَحِلُّونَ، ثُمَّ تَقَدَّمَ إِلَيْهِمْ بِالْوَعِيدِ عَلَى كَذِبِهِمْ عَلَيْهِ، فَقَالَ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ﴾ [يونس: ٦٩] يَقُولُ: إِنَّ الَّذِينَ يَتَخَرَّصُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَيَخْتَلِقُونَهُ، لَا يُخَلَّدُونَ فِي الدُّنْيَا وَلَا يَبْقَوْنَ فِيهَا، إِنَّمَا يَتَمَتَّعُونَ فِيهَا قَلِيلًا وَقَالَ: ﴿مَتَاعٌ قَلِيلٌ﴾ [آل عمران: ١٩٧] فَرَفَعَ، لِأَنَّ الْمَعْنَى الَّذِي هُمْ فِيهِ مِنْ هَذِهِ الدُّنْيَا مَتَاعٌ قَلِيلٌ، أَوْ لَهُمْ مَتَاعٌ قَلِيلٌ فِي الدُّنْيَا. وَقَوْلُهُ: ﴿وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [البقرة: ١٠] يَقُولُ: ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ وَمَعَادُهُمْ، وَلَهُمْ عَلَى كَذِبِهِمْ وَافْتِرَائِهِمْ عَلَى اللَّهِ بِمَا كَانُوا يَفْتَرُونَ عَذَابٌ عِنْدَ مَصِيرِهِمْ إِلَيْهِ أَلِيمٌ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى: وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: " ﴿لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ﴾ [النحل: ١١٦] فِي -[٣٩١]- الْبَحِيرَةِ وَالسَّائِبَةِ "