أُولُو الْبَأْسِ الشَّدِيدِ الَّذِينَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ عَلَيْكُمْ وُجُوهَكُمْ، وَاسْتَشْهَدَ قَارِئُو ذَلِكَ لِصِحَّةِ قِرَاءَتِهِمْ كَذَلِكَ بِقَوْلِهِ ﴿وَلْيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ﴾ [الإسراء: ٧] وَقَالُوا: ذَلِكَ خَبَرٌ عَنِ الْجَمِيعِ فَكَذَلِكَ الْوَاجِبُ أَنْ يَكُونَ قَوْلَهُ ﴿لِيَسُوءُوا﴾ وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْكُوفَةِ: (لِيَسُوءَ وُجُوهَكُمْ) عَلَى التَّوْحِيدِ وَبِالْيَاءِ. وَقَدْ يَحْتَمِلَ ذَلِكَ وَجْهَيْنِ مِنَ التَّأْوِيلَ: أَحَدُهُمَا مَا قَدْ ذَكَرْتُ، وَالْآخَرُ مِنْهُمَا: لِيَسُوءَ اللَّهُ وُجُوهَكُمْ. فَمَنْ وَجَّهَ تَأْوِيلَ ذَلِكَ إِلَى لِيَسُوءَ مَجِيءُ الْوَعْدِ وُجُوهَكُمْ، جَعَلَ جَوَّابَ قَوْلِهِ «فَإِذَا» مَحْذُوفًا، وَقَدِ اسْتُغْنِيَ بِمَا ظَهَرَ عَنْهُ، وَذَلِكَ الْمَحْذُوفُ «جَاءَ»، فَيَكُونُ الْكَلَامُ تَأْوِيلُهُ: فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءَ وُجُوهَكُمْ جَاءَ. وَمَنْ وَجَّهَ تَأْوِيلَهُ إِلَى: لِيَسُوءَ اللَّهُ وُجُوهَكُمْ، كَانَ أَيْضًا فِي الْكَلَامِ مَحْذُوفٌ، قَدِ اسْتُغْنِيَ هُنَا عَنْهُ بِمَا قَدْ ظَهَرَ مِنْهُ، غَيْرَ أَنَّ ذَلِكَ الْمَحْذُوفَ سِوَى «جَاءَ»، فَيَكُونُ مَعْنَى الْكَلَامِ حِينَئِذٍ: فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ بَعَثْنَاهُمْ لِيَسُوءَ اللَّهُ وُجُوهَكُمْ، فَيَكُونُ الْمُضْمَرُ بَعَثْنَاهُمْ، وَذَلِكَ جَوَابُ «إِذَا» حِينَئِذٍ. وَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْضُ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ مِنَ الْكُوفِيِّينَ: «لِنَسُوءَ وُجُوهَكُمْ» عَلَى وَجْهِ الْخَبَرِ مِنَ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى اسْمُهُ عَنْ نَفْسِهِ. وَكَانَ مَجِيءُ وَعْدِ الْمَرَّةِ الْآخِرَةِ عِنْدَ قَتْلِهِمْ يَحْيَى. ذِكْرُ الرِّوَايَةِ بِذَلِكَ وَالْخَبَرِ عَمَّا جَاءَهُمْ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ حِينَئِذٍ كَمَا:
حَدَّثَنَا مُوسَى، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، -[٤٨٠]- قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، فِي الْحَدِيثِ الَّذِي ذَكَرْنَا إِسْنَادَهُ قِيلَ: إِنَّ رَجُلًا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ رَأَى فِي النَّوْمِ أَنَّ خَرَابَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَهَلَاكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى يَدَيْ غُلَامٍ يَتِيمٍ ابْنِ أَرْمَلَةٍ مِنْ أَهْلِ بَابِلَ، يُدْعَى بُخْتَنَصَّرَ، وَكَانُوا يَصْدُقُونَ فَتَصْدُقُ رُؤْيَاهُمْ، فَأَقْبَلَ فَسَأَلَ عَنْهُ حَتَّى نَزَلَ عَلَى أُمِّهِ وَهُوَ يَحْتَطِبُ، فَلَمَّا جَاءَ وَعَلَى رَأْسِهِ حُزْمَةٌ مِنْ حَطَبٍ أَلْقَاهَا، ثُمَّ قَعَدَ فِي جَانِبِ الْبَيْتِ فَضَمَّهُ، ثُمَّ أَعْطَاهُ ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ، فَقَالَ: اشْتَرِ لَنَا بِهَا طَعَامًا وَشَرَابًا، فَاشْتَرَى بِدِرْهَمٍ لَحْمًا وَبِدِرْهَمٍ خُبْزًا وَبِدِرْهَمٍ خَمْرًا، فَأَكَلُوا وَشَرِبُوا حَتَّى إِذَا كَانَ الْيَوْمُ الثَّانِي فَعَلَ بِهِ ذَلِكَ، حَتَّى إِذَا كَانَ الْيَوْمُ الثَّالِثُ فَعَلَ ذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: إِنِّي أُحِبُّ أَنْ تَكْتُبَ لِي أَمَانًا إِنْ أَنْتَ مَلَكْتَ يَوْمًا مِنَ الدَّهْرِ، فَقَالَ: أَتَسْخَرُ بِي؟ فَقَالَ: إِنِّي لَا أَسْخَرُ بِكَ، وَلَكِنْ مَا عَلَيْكَ أَنْ تَتَّخِذَ بِهَا عِنْدِي يَدًا، فَكَلَّمَتْهُ أُمُّهُ، فَقَالَتْ: وَمَا عَلَيْكَ إِنْ كَانَ ذَلِكَ وَإِلَّا لَمْ يَنْقُصْكَ شَيْئًا، فَكَتَبَ لَهُ أَمَانًا، فَقَالَ لَهُ: أَرَأَيْتَ إِنْ جِئْتُ وَالنَّاسُ حَوْلَكَ قَدْ حَالُوا بَيْنِي وَبَيْنَكَ، فَاجْعَلْ لِي آيَةً تَعْرِفُنِي بِهَا قَالَ: نَرْفَعُ صَحِيفَتَكَ عَلَى قَصَبَةٍ أَعْرِفُكَ بِهَا، فَكَسَاهُ وَأَعْطَاهُ. ثُمَّ إِنَّ مَلِكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَ يُكْرِمُ يَحْيَى بْنَ زَكَرِيَّا، وَيُدْنِي مَجْلِسَهُ، وَيَسْتَشِيرُهُ فِي أَمْرِهِ، وَلَا يَقْطَعُ أَمْرًا دُونَهُ، وَأَنَّهُ هَوَى أَنْ يَتَزَوَّجَ ابْنَةَ امْرَأَةٍ لَهُ، فَسَأَلَ يَحْيَى عَنْ ذَلِكَ، فَنَهَاهُ عَنْ نِكَاحِهَا وَقَالَ: لَسْتُ أَرْضَاهَا لَكَ، فَبَلَغَ ذَلِكَ أُمَّهَا فَحَقَدَتْ عَلَى يَحْيَى حِينَ نَهَاهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ ابْنَتَهَا، فَعَمَدَتْ أُمُّ الْجَارِيَةِ حِينَ جَلَسَ الْمَلِكُ عَلَى شَرَابِهِ، فَأَلْبَسَتْهَا ثِيَابًا رِقَاقًا حُمْرًا، وَطَيَّبَتْهَا وَأَلْبَسَتْهَا مِنَ الْحُلِيِّ، وَقِيلَ: إِنَّهَا أَلْبَسَتْهَا فَوْقَ ذَلِكَ كِسَاءً أَسْوَدَ، وَأَرْسَلَتْهَا -[٤٨١]- إِلَى الْمَلِكِ، وَأَمَرَتْهَا أَنْ تَسْقِيَهُ، وَأَنْ تَعْرِضَ لَهُ نَفْسَهَا، فَإِنْ أَرَادَهَا عَلَى نَفْسِهَا أَبَتْ عَلَيْهِ حَتَّى يُعْطِيَهَا مَا سَأَلَتْهُ، فَإِذَا أَعْطَاهَا ذَلِكَ سَأَلَتْهُ أَنْ يَأْتِيَ بِرَأْسِ يَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّا فِي طَسْتٍ، فَفَعَلَتْ، فَجَعَلَتْ تَسْقِيَهُ وَتَعْرِضُ لَهُ نَفْسَهَا، فَلَمَّا أَخَذَ فِيهِ الشَّرَابُ أَرَادَهَا عَلَى نَفْسِهَا، فَقَالَتْ: لَا أَفْعَلُ حَتَّى تُعْطِيَنِي مَا أَسْأَلُكَ، فَقَالَ: مَا الَّذِي تَسْأَلِينِي؟ قَالَتْ: أَسْأَلُكَ أَنْ تَبْعَثَ إِلَى يَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّا، فَأْتِ بِرَأْسِهِ فِي هَذَا الطَّسْتِ، فَقَالَ: وَيْحَكِ سَلِينِي غَيْرَ هَذَا، فَقَالَتْ لَهُ: مَا أُرِيدُ أَنْ أَسْأَلَكَ إِلَّا هَذَا. قَالَ: فَلَمَّا أَلَحَّتْ عَلَيْهِ بَعَثَ إِلَيْهِ، فَأَتَى بِرَأْسِهِ، وَالرَّأْسُ يَتَكَلَّمُ حَتَّى وُضِعَ بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُوَ يَقُولُ: لَا يَحِلُّ لَكَ ذَلِكَ، فَلَمَّا أَصْبَحَ إِذَا دَمُهُ يَغْلِي، فَأَمَرَ بِتُرَابٍ فَأُلْقِيَ عَلَيْهِ، فَرَقَى الدَّمُ فَوْقَ التُّرَابِ يَغْلِي، فَأَلْقَى عَلَيْهِ التُّرَابَ أَيْضًا، فَارْتَفَعَ الدَّمُ فَوْقَهُ، فَلَمْ يَزَلْ يُلْقِي عَلَيْهِ التُّرَابَ حَتَّى بَلَغَ سُوَرَ الْمَدِينَةِ وَهُوَ يَغْلِي وَبَلَغَ صيَحَابِينَ، فَثَارَ فِي النَّاسِ، وَأَرَادَ أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْهِمْ جَيْشًا، وَيُؤْمِّرَ عَلَيْهِمْ رَجُلًا، فَأَتَاهُ بُخْتَنَصَّرَ وَكَلَّمَهُ وَقَالَ: إِنَّ الَّذِي كُنْتَ أَرْسَلْتَهُ تِلْكَ الْمَرَّةَ ضَعِيفٌ، وَإِنِّي قَدْ دَخَلْتُ الْمَدِينَةَ وَسَمِعْتُ كَلَامَ أَهْلِهَا، فَابْعَثْنِي، فَبَعَثَهُ، فَسَارَ بُخْتَنَصَّرَ حَتَّى إِذَا بَلَغُوا ذَلِكَ الْمَكَانَ تَحَصَّنُوا مِنْهُ فِي مَدَائِنِهِمْ، -[٤٨٢]- فَلَمْ يُطِقْهُمْ، فَلَمَّا اشْتَدَّ عَلَيْهِمُ الْمُقَامُ وَجَاعَ أَصْحَابُهُ، أَرَادُوا الرُّجُوعَ، فَخَرَجَتْ إِلَيْهِمْ عَجُوزٌ مِنْ عَجَائِزِ بَنِي إِسْرَائِيلَ فَقَالَتْ: أَيْنَ أَمِيرُ الْجُنْدِ؟ فَأُتِيَ بِهَا إِلَيْهِ، فَقَالَتْ لَهُ: إِنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّكَ تُرِيدُ أَنْ تَرْجِعَ بِجُنْدِكَ قَبْلَ أَنْ تُفْتَحَ هَذِهِ الْمَدِينَةَ، قَالَ: نَعَمْ، قَدْ طَالَ مُقَامِي، وَجَاعَ أَصْحَابِي، فَلَسْتُ أَسْتَطِيعُ الْمُقَامَ فَوْقَ الَّذِي كَانَ مِنِّي، فَقَالَتْ: أَرَأَيْتَكَ إِنْ فُتِحَتْ لَكَ الْمَدِينَةُ أَتُعْطِينِي مَا سَأَلْتُكَ، وَتَقْتُلُ مَنْ أَمَرْتُكَ بِقَتْلِهِ، وَتَكُفُّ إِذَا أَمَرْتُكَ أَنْ تَكُفَّ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَتْ: إِذَا أَصْبَحْتَ فَاقْسِمْ جُنْدَكَ أَرْبَعَةَ أَرْبَاعٍ، ثُمَّ أَقِمْ عَلَى كُلِّ زَاوِيَةٍ رُبْعًا، ثُمَّ ارْفَعُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى السَّمَاءِ فَنَادُوا: إِنَّا نَسْتَفْتِحُكَ يَا اللَّهُ بِدَمِ يَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّا، فَإِنَّهَا سَوْفَ تَسَّاقَطُ، فَفَعَلُوا، فَتَسَاقَطَتِ الْمَدِينَةُ، وَدَخَلُوا مِنْ جَوَانِبِهَا، فَقَالَتْ لَهُ: اقْتُلْ عَلَى هَذَا الدَّمِ حَتَّى يَسْكُنَ، وَانْطَلَقَتْ بِهِ إِلَى دَمِ يَحْيَى وَهُوَ عَلَى تُرَابٍ كَثِيرٍ، فَقَتَلَ عَلَيْهِ حَتَّى سَكَنَ سَبْعِينَ أَلْفًا وَامْرَأَةً، فَلَمَّا سَكَنَ الدَّمُ قَالَتْ لَهُ: كُفَّ يَدَكَ، فَإِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِذَا قُتِلَ نَبِيٌّ لَمْ يَرْضَ، حَتَّى يُقْتَلَ مَنْ قَتَلَهُ، وَمَنْ رَضِيَ قَتْلَهُ، وَأَتَاهُ صَاحِبُ الصَّحِيفَةِ بِصَحِيفَتِهِ، فَكَفَّ عَنْهُ وَعَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ، وَخَرَّبَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ، وَأَمَرَ بِهِ أَنْ تُطْرَحَ فِيهِ الْجِيَفُ، وَقَالَ: مَنْ طَرَحَ فِيهِ جِيفَةً فَلَهُ جِزْيَتُهُ تِلْكَ السُّنَّةَ، وَأَعَانَهُ عَلَى خَرَابِهِ الرُّومُ مِنْ أَجْلِ أَنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ قَتَلُوا يَحْيَى، فَلَمَّا خَرَّبَهُ بُخْتَنَصَّرَ ذَهَبَ مَعَهُ بِوُجُوهِ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَشْرَافِهِمْ، وَذَهَبَ بِدَانْيَالَ وَعَلْيَا وَعَزَارِيَا وَمِيشَائِيلَ، هَؤُلَاءِ كُلُّهُمْ مِنْ أَوْلَادِ الْأَنْبِيَاءِ وَذَهَبَ مَعَهُ بِرَأْسِ جَالُوتَ، فَلَمَّا قَدِمَ أَرْضَ بَابِلَ وَجَدَ صَحَابِينَ قَدْ مَاتَ، فَمَلَكَ مَكَانَهُ، وَكَانَ -[٤٨٣]- أَكْرَمَ النَّاسِ عَلَيْهِ دَانْيَالُ وَأَصْحَابُهُ، فَحَسَدَهُمُ الْمَجُوسُ عَلَى ذَلِكَ، فَوَشَوْا بِهِمْ إِلَيْهِ وَقَالُوا: إِنَّ دَانْيَالَ وَأَصْحَابَهُ لَا يَعْبُدُونَ إِلَهَكَ، وَلَا يَأْكُلُونَ مِنْ ذَبِيحَتِكَ، فَدَعَاهُمْ فَسَأَلَهُمْ، فَقَالُوا: أَجَلْ إِنَّ لَنَا رَبًّا نَعْبُدُهُ، وَلَسْنَا نَأْكُلُ مِنْ ذَبِيحَتِكُمْ، فَأَمَرَ بِخَدٍّ فَخُدَّ لَهُمْ، فَأُلْقُوا فِيهِ وَهُمْ سِتَّةٌ، وَأَلْقَى مَعَهُمْ سَبْعًا ضَارِيًا لِيَأْكُلَهُمْ، فَقَالَ: انْطَلِقُوا فَلْنَأْكُلْ وَلْنَشْرَبْ، فَذَهَبُوا فَأَكَلُوا وَشَرِبُوا، ثُمَّ رَاحُوا فَوَجَدُوهُمْ جُلُوسًا وَالسَّبْعُ مُفْتَرِشٌ ذِرَاعَيْهِ بَيْنَهُمْ، وَلَمْ يَخْدِشْ مِنْهُمْ أَحَدًا، وَلَمْ يَنْكَأْهُ شَيْئًا، وَوَجَدُوا مَعَهُمْ رَجُلًا، فَعَدُّوهُمْ فَوَجَدُوهُمْ سَبْعَةً، فَقَالُوا: مَا بَالُ هَذَا السَّابِعِ إِنَّمَا كَانُوا سِتَّةً؟ فَخَرَجَ إِلَيْهِمُ السَّابِعُ، وَكَانَ مَلَكًا مِنَ الْمَلَائِكَةِ، فَلَطَمَهُ لَطْمَةً فَصَارَ فِي الْوَحْشِ، فَكَانَ فِيهِمْ سَبْعَ سِنِينَ، لَا يَرَاهُ وَحْشِيٌّ إِلَّا أَتَاهُ حَتَّى يَنْكِحَهُ، يُقْتَصُّ مِنْهُ مَا كَانَ يَصْنَعُ بِالرِّجَالِ، ثُمَّ إِنَّهُ رَجَعَ وَرَدَّ اللَّهُ عَلَيْهِ مُلْكَهُ، فَكَانُوا أَكْرَمَ خَلْقِ اللَّهِ عَلَيْهِ. ثُمَّ إِنَّ الْمَجُوسَ وَشَوْا بِهِ ثَانِيَةً، فَأَلْقَوْا أَسَدًا فِي بِئْرٍ قَدْ ضَرِيَ، فَكَانُوا يُلْقُونَ إِلَيْهِ الصَّخْرَةَ فَيَأْخُذُهَا، فَأَلْقَوْا إِلَيْهِ دَانْيَالَ، فَقَامَ الْأَسَدُ فِي جَانِبٍ، وَقَامَ دَانْيَالُ فِي جَانِبٍ لَا يَمَسُّهُ، فَأَخْرَجُوهُ، وَقَدْ كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ خَدَّ لَهُمْ خَدًّا، فَأَوْقَدَ فِيهِ نَارًا، حَتَّى إِذَا أَجَّجَهَا قَذَفَهُمْ فِيهَا، فَأَطْفَأَهَا اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَمْ يَنَلْهُمْ مِنْهَا شَيْءٌ. ثُمَّ إِنَّ بُخْتَنَصَّرَ رَأَى بَعْدَ ذَلِكَ فِي مَنَامِهِ صَنَمًا رَأْسُهُ مِنْ ذَهَبٍ، وَعُنُقُهُ مِنْ شَبَهٍ، وَصَدْرُهُ مِنْ حَدِيدٍ، وَبَطْنُهُ أَخْلَاطُ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ وَقَوَارِيرَ، وَرِجْلَاهُ مِنْ فَخَّارٍ، فَبَيْنَا هُوَ قَائِمٌ يَنْظُرُ، إِذْ جَاءَتْ صَخْرَةٌ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ قِبَلِ -[٤٨٤]- الْقِبْلَةِ، فَكَسَرَتِ الصَّنَمَ فَجَعَلْتُهُ هَشِيمًا، فَاسْتَيْقَظَ فَزِعًا وَأُنْسِيهَا، فَدَعَا السَّحَرَةَ وَالْكَهَنَةَ، فَسَأَلَهُمْ، فَقَالَ: أَخْبِرُونِي عَمَّا رَأَيْتُ فَقَالُوا لَهُ: لَا، بَلْ أَنْتَ أَخْبِرْنَا مَا رَأَيْتَ فَنَعْبُرُهُ لَكَ قَالَ: لَا أَدْرِي، قَالُوا لَهُ: فَهَؤُلَاءِ الْفِتْيَةُ الَّذِينَ تُكْرُمُهُمْ، فَادْعُهُمْ فَاسْأَلْهُمْ، فَإِنْ هُمْ لَمْ يُخْبِرُوكَ بِمَا رَأَيْتَ فَمَا تَصْنَعُ بِهِمْ؟ قَالَ: أقْتُلُهُمْ فَأَرْسَلَ إِلَى دَانْيَالَ وَأَصْحَابِهِ، فَدَعَاهُمْ، فَقَالَ لَهُمْ: أَخْبِرُونِي مَاذَا رَأَيْتُ؟ فَقَالَ لَهُ دَانْيَالُ: بَلْ أَنْتَ أَخْبِرْنَا مَا رَأَيْتَ فَنَعْبُرُهُ لَكَ قَالَ: لَا أَدْرِي قَدْ نُسِّيتُهَا فَقَالَ لَهُ دَانْيَالُ: كَيْفَ نَعْلَمُ رُؤْيَا لَمْ تُخْبِرْنَا بِهَا؟ فَأَمَرَ الْبَوَّابَ أَنْ يَقْتُلَهُمْ، فَقَالَ دَانْيَالُ لِلْبَوَّابِ: إِنَّ الْمَلِكَ إِنَّمَا أَمَرَ بِقَتْلِنَا مِنْ أَجْلِ رُؤْيَاهُ، فَأَخِّرْنَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، فَإِنْ نَحْنُ أَخْبَرْنَا الْمَلِكَ بِرُؤْيَاهُ وَإِلَّا فَاضْرِبْ أَعْنَاقَنَا، فَأَجَّلَهُمْ فَدَعُوُا اللَّهَ، فَلَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الثَّالِثُ أَبْصَرَ كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ رُؤْيَا بُخْتَنَصَّرَ عَلَى حِدَةٍ، فَأَتَوُا الْبَوَّابَ فَأَ


الصفحة التالية
Icon