حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: فَلَمَّا أَفْسَدُوا بَعَثَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ فِي الْمَرَّةِ الْآخِرَةِ بُخْتَنَصَّرَ، فَخَرَّبَ الْمَسَاجِدَ وَتَبَّرَ مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، قَالَ: ثني ابْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: فِيمَا بَلَغَنِي، اسْتَخْلَفَ اللَّهُ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بَعْدَ ذَلِكَ، يَعْنِي بَعْدَ قَتْلِهِمْ شِعْيَاءَ رَجُلًا مِنْهُمْ يُقَالُ لَهُ: نَاشَةُ بْنُ آمُوصَ، فَبَعَثَ اللَّهُ الْخَضِرَ نَبِيًّا، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا قَدْ بَلَغَنِي يَقُولُ: «إِنَّمَا سُمِّيَ الْخَضِرَ خَضِرًا، لِأَنَّهُ جَلَسَ عَلَى فَرْوَةٍ بَيْضَاءَ، فَقَامَ عَنْهَا وَهِيَ تَهْتَزُّ خَضْرَاءَ» قَالَ: وَاسْمُ الْخَضِرِ فِيمَا كَانَ وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ يَزْعُمُ عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ: أرميَا بْنُ حلفيَا، وَكَانَ مِنْ سِبْطِ هَارُونَ بْنِ عِمْرَانَ
- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَهْلِ بْنِ عَسْكَرٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ زَنْجُوَيْهِ، قَالَا: ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الْكَرِيمِ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ مَعْقِلٍ، عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ، وَحَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَمَّنْ لَا يُتَّهَمُ، عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ الْيَمَانِيِّ، وَاللَّفْظُ، لِحَدِيثِ ابْنِ حُمَيْدٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لِإِرْمِيَا حِينَ بَعَثَهُ نَبِيًّا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ: يَا إِرْمِيَا مِنْ قَبْلِ أَنْ أَخْلُقَكَ اخْتَرْتُكَ، وَمِنْ قَبْلِ أَنْ أُصَوِّرَكَ فِي بَطْنِ أُمِّكَ قَدَّسْتُكَ، وَمِنْ قَبْلِ أَنْ أُخْرِجَكَ مِنْ بَطْنِ أُمِّكَ -[٤٩١]- طَهَّرْتُكَ، وَمِنْ قَبْلِ أَنْ تَبْلُغَ السَّعْيَ نَبَّأْتُكَ، وَمِنْ قَبْلِ أَنْ تَبْلُغَ الْأَشُدَّ اخْتَرْتُكَ، وَلِأَمْرٍ عَظِيمٍ اخْتَبَأْتُكَ، فَبَعَثَ اللَّهُ إِرْمِيَا إِلَى ذَلِكَ الْمَلِكِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ يُسَدِّدُهُ وَيَرْشُدُهُ، وَيَأْتِيهِ بِالْخَبَرِ مِنَ اللَّهِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ، قَالَ: ثُمَّ عَظُمَتِ الْأَحْدَاثُ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَرَكِبُوا الْمَعَاصِيَ، وَاسْتَحَلُّوا الْمَحَارِمَ، وَنَسُوا مَا كَانَ اللَّهُ تَعَالَى صَنَعَ بِهِمْ، وَمَا نَجَّاهُمْ مِنْ عَدُوِّهِمْ سَنْحَارِيبَ وَجُنُودِهِ فَأَوْحَى اللَّهُ تَعَالَى إِلَى إِرْمَيَاءَ: أَنِ ائْتِ قَوْمَكَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَاقْصُصْ عَلَيْهِمْ مَا آمُرُكَ بِهِ، وَذَكِّرْهُمْ نِعْمَتِي عَلَيْهِمْ، وَعَرِّفْهُمْ أَحْدَاثَهُمْ، فَقَالَ إِرْمَيَاءُ: إِنِّي ضَعِيفٌ إِنْ لَمْ تُقَوِّنِي، وَعَاجِزٌ إِنْ لَمْ تُبَلِّغْنِي، وَمُخْطِئٌ إِنْ لَمْ تُسْدِّدْنِي، وَمَخْذُولٌ إِنْ لَمْ تَنْصُرْنِي، وَذَلِيلٌ إِنْ لَمْ تُعِزَّنِي. قَالَ: اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: أَوَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ الْأُمُورَ كُلَّهَا تَصْدُرَ عَنْ مَشِيئَتِي، وَأَنَّ الْقُلُوبَ كُلَّهَا وَالْأَلْسِنَةَ بِيَدِي، أُقَلِّبُهَا كَيْفَ شِئْتُ، فَتُطِيعُنِي، وَإِنِّي أَنَا اللَّهُ الَّذِي لَا شَيْءَ مِثْلِي، قَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَا فِيهِنَّ بِكَلِمَتِي، وَأَنَا كَلَّمْتُ الْبِحَارَ، فَفَهِمَتْ قُولِي، وَأَمَرْتُهَا فَعَقَلَتْ أَمْرِي، وَحَدَّدْتُ عَلَيْهَا بِالْبَطْحَاءِ فَلَا تَعَدَّى حَدِّي، تَأْتِي بِأَمْوَاجٍ كَالْجِبَالِ، حَتَّى إِذَا بَلَغَتْ حَدِّي أَلْبَسْتُهَا مَذَلَّةَ طَاعَتِي خَوْفًا وَاعْتِرَافًا لِأَمْرِي، إِنِّي مَعَكَ وَلَنْ يَصِلَ إِلَيْكَ شَيْءٌ مَعِي، وَإِنْ بَعَثْتُكَ إِلَى خَلْقٍ عَظِيمٍ مِنْ خَلْقِي، لِتُبَلِّغَهُمْ رِسَالَاتِي، وَلِتَسْتَحِقَّ بِذَلِكَ مِثْلَ أَجْرِ مَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا، وَإِنْ تُقَصِّرْ عَنْهَا فَلَكَ مِثْلُ وِزْرِ مَنْ تَرْكَبُ فِي عَمَاهُ لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْئًا، انْطَلِقْ إِلَى -[٤٩٢]- قَوْمِكَ فَقُلْ: إِنَّ اللَّهَ ذَكَرَ لَكُمْ صَلَاحَ آبَائِكُمْ، فَحَمَلَهُ ذَلِكَ عَلَى أَنْ يَسْتَتِيبَكُمْ يَا مَعْشَرَ الْأَبْنَاءِ، وَسَلْهُمْ كَيْفَ وَجَدَ آبَاؤُهُمْ مَغَبَّةَ طَاعَتِي، وَكَيْفَ وَجَدُوا هُمْ مَغَبَّةَ مَعْصِيَتِي، وَهَلْ عَلِمُوا أَنَّ أَحَدًا قَبْلَهُمْ أَطَاعَنِي فَشَقِيَ بِطَاعَتِي، أَوْ عَصَانِي فَسَعِدَ بِمَعْصِيَتِي، فَإِنَّ الدَّوَابَّ مِمَّا تَذْكُرُ أَوْطَانَهَا الصَّالِحَةَ فَتَنْتَابُهَا، وَإِنَّ هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ قَدْ رَتَعُوا فِي مُرُوجِ الْهَلَكَةِ. أَمَّا أَحْبَارُهُمْ وَرُهْبَانُهُمْ فَاتَّخَذُوا عِبَادِي خَوَلًا لِيَعَبْدُوهُمْ دُونِي وَتَحَكَّمُوا فِيهِمْ بِغَيْرِ كِتَابِي حَتَّى أَجْهَلُوهُمْ أَمْرِي، وَأَنْسَوْهُمْ ذِكْرِي، وَغَرُّوهُمْ مِنِّي. أَمَّا أُمَرَاؤُهُمْ وَقَادَاتُهُمْ فَبَطِرُوا نِعْمَتِي، وَأَمِنُوا مَكْرِي، وَنَبَذُوا كِتَابِي، وَنَسَوْا عَهْدِي، وَغَيَّرُوا سُنَّتِي، فَأَدَانَ لَهُمْ عِبَادِي بِالطَّاعَةِ الَّتِي لَا تَنْبَغِي إِلَّا لِي، فَهُمْ يُطِيعُونَهُمْ فِي مَعْصِيَتِي، وَيُتَابِعُونَهُمْ عَلَى الْبِدَعِ الَّتِي يَبْتَدِعُونَ فِي دِينِي جَرَاءَةً عَلَيَّ وَغِرَّةً وَفِرْيَةً عَلَيَّ وَعَلَى رُسُلِي، فَسُبْحَانَ جَلَالِي وَعُلُوِّ مَكَانِي، وَعِظَمِ شَأْنِي، فَهَلْ يَنْبَغِي لِبَشَرٍ أَنْ يُطَاعَ فِي مَعْصِيَتِي، وَهَلْ يَنْبَغِي لِي أَنْ أَخْلَقَ عِبَادًا أَجْعَلُهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِي. وَأَمَّا قُرَّاؤُهُمْ وَفُقَهَاؤُهُمْ فَيَتَعَبَّدُونَ فِي الْمَسَاجِدِ، وَيَتَزَيَّنُونَ بِعِمَارَتِهَا لِغَيْرِي، لِطَلَبِ الدُّنْيَا بِالدِّينِ، وَيَتَفَقَّهُونَ فِيهَا لِغَيْرِ الْعِلْمِ، وَيَتَعَلَّمُونَ فِيهَا لِغَيْرِ الْعَمَلِ. وَأَمَّا أَوْلَادُ الْأَنْبِيَاءِ، فَمُكْثِرُونَ مَقْهُورُونَ مُغَيِّرُونَ، يَخُوضُونَ مَعَ الْخَائِضِينَ، وَيَتَمَنَّوْنَ عَلَيَّ مِثْلَ نُصْرَةِ آبَائِهِمْ وَالْكَرَامَةِ الَّتِي أَكْرَمْتُهُمْ بِهَا، وَيَزْعُمُونَ أَنْ لَا أَحَدَ أَوْلَى بِذَلِكَ مِنْهُمْ مِنِّي بِغَيْرِ صِدْقٍ وَلَا تَفَكُّرٍ وَلَا تَدَبُّرٍ، وَلَا يَذْكُرُونَ كَيْفَ كَانَ صَبْرُ آبَائِهِمْ لِي، وَكَيْفَ كَانَ جِدُّهُمْ فِي أَمْرِي حِينَ غَيَّرَ الْمُغَيِّرُونَ، وَكَيْفَ بَذَلُوا أَنْفُسَهُمْ وَدِمَاءَهُمْ، -[٤٩٣]- فَصَبَرُوا وَصَدَقُوا حَتَّى عَزَّ أَمْرِي، وَظَهُرَ دِينِي، فَتَأَنَّيْتُ بِهَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَعَلَّهُمْ يَسْتَجِيبُونَ، فَأَطْوَلْتُ لَهُمْ، وَصَفَحْتُ عَنْهُمْ، لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ، فَأَكْثَرْتُ وَمَدَدْتُ لَهُمْ فِي الْعُمُرِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ، فَأَعْذَرْتُ فِي كُلِّ ذَلِكَ، أُمْطِرُ عَلَيْهِمُ السَّمَاءَ، وَأُنْبِتُ لَهُمُ الْأَرْضَ، وَأُلْبِسُهُمُ الْعَافِيَةَ وَأُظْهِرُهُمْ عَلَى الْعَدُوِّ فَلَا يَزْدَادُونَ إِلَّا طُغْيَانًا وَبُعْدًا مِنِّي، فَحَتَّى مَتَى هَذَا؟ أَبِي يَتَمَرَّسُونَ أَمْ إِيَّايَ يُخَادِعُونَ؟ وَإِنِّي أَحْلِفُ بِعِزَّتِي لَأُقَيِّضَنَّ لَهُمْ فِتْنَةً يَتَحَيَّرُ فِيهَا الْحَلِيمُ، وَيَضِلُّ فِيهَا رَأْي ذِي الرَّأْيِ وَحِكْمَةُ الْحَكِيمِ، ثُمَّ لَأُسَلِّطَنَّ عَلَيْهِمْ جَبَّارًا قَاسِيًا عَاتِيًا، أُلْبِسُهُ الْهَيْبَةَ، وَأَنْتَزِعُ مِنْ صَدْرِهِ الرَّأْفَةَ وَالرَّحْمَةَ وَالْبَيَانَ، يَتْبَعُهُ عَدَدٌ وَسَوَادٌ مِثْلُ سَوَادِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ، لَهُ عَسَاكِرُ مِثْلُ قِطَعِ السَّحَابِ، وَمَرَاكِبُ أَمْثَالُ الْعِجَاجِ، كَأَنَّ خَفِيقَ رَايَاتِهِ طَيْرَانُ النُّسُورِ، وَأَنَّ حَمْلَةَ فُرْسَانِهِ كَوَبَرِ الْعِقْبَانِ. ثُمَّ أَوْحَى اللَّهُ إِلَى إِرْمِيَا: إِنِّي مُهْلِكٌ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِيَافِثَ، وَيَافِثُ أَهْلُ بَابِلَ، وَهُمْ مِنْ وَلَدِ يَافِثَ بْنِ نُوحٍ. ثُمَّ لَمَّا سَمِعَ إِرْمِيَا وَحْي رَبِّهِ صَاحَ وَبَكَى وَشَقَّ ثِيَابَهُ، وَنَبَذَ الرَّمَادَ عَلَى رَأْسِهِ وَقَالَ: مَلْعُونٌ يَوْمَ وُلِدْتُ فِيهِ، وَيَوْمَ لَقِيتُ التَّوْرَاةَ، وَمِنْ شَرِّ أَيَامِي يَوْمَ وُلِدْتُ فِيهِ، فَمَا أَبْقَيْتَ آخِرَ الْأَنْبِيَاءِ إِلَّا لِمَا هُوَ أَشَرُّ عَلَيَّ لَوْ أَرَادَ بِي خَيْرًا مَا جَعَلَنِي آخِرَ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَمِنْ أَجْلِي تُصِيبُهُمُ الشِّقْوَةُ وَالْهَلَاكُ، فَلَمَّا سَمِعَ اللَّهَ تَضَرُّعَ الْخَضِرِ وَبُكَاءَهُ، وَكَيْفَ يَقُولُ، نَادَاهُ: يَا إِرْمِيَا أَشَقَّ ذَلِكَ عَلَيْكَ فِيمَا أَوْحَيْتُ لَكَ؟ قَالَ: نَعَمْ يَا رَبِّ أَهْلِكْنِي قَبْلَ أَنْ أَرَى فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ مَا لَا أُسَرَّ بِهِ فَقَالَ اللَّهُ: وَعِزَّتِي الْعَزِيزَةُ لَا أُهْلِكُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ وَبَنِي إِسْرَائِيلَ حَتَّى يَكُونَ الْأَمْرُ مِنْ قِبَلِكَ فِي ذَلِكَ فَفَرِحَ عِنْدَ ذَلِكَ إِرْمِيَا لَمَّا قَالَ لَهُ رَبُّهُ، وَطَابَتْ نَفْسُهُ، وَقَالَ: لَا وَالَّذِي بَعَثَ -[٤٩٤]- مُوسَى وَأَنْبِيَاءَهُ بِالْحَقِّ لَا آمُرُ رَبِّي بِهَلَاكِ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَبَدًا ثُمَّ أَتَى مَلِكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ فَأَخْبَرَهُ مَا أَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ فَاسْتَبْشَرَ وَفَرِحَ وَقَالَ: إِنْ يُعَذِّبْنَا رَبُّنَا فَبِذُنُوبٍ كَثِيرَةٍ قَدَّمْنَاهَا لِأَنْفُسِنَا، وَإِنْ عَفَا عَنَّا فَبُقْدَرَتِهِ. ثُمَّ إِنَّهُمْ لَبِثُوا بَعْدَ هَذَا الْوَحْي ثَلَاثَ سِنِينَ لَمْ يَزْدَادُوا إِلَّا مَعْصِيَةً وَتَمَادِيًا فِي الشَّرِّ، وَذَلِكَ حِينَ اقْتَرَبَ هَلَاكُهُمْ، فَقَلَّ الْوَحْي حِينَ لَمْ يَكُونُوا يَتَذَكَّرُونَ الْآخِرَةَ، وَأَمْسَكَ عَنْهُمْ حِينَ أَلْهَتْهُمُ الدُّنْيَا وَشَأْنُهَا، فَقَالَ لَهُمْ مَلِكُهُمْ: يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ، انْتَهُوا عَمَّا أَنْتُمْ عَلَيْهِ قَبْلَ أَنْ يَمَسَّكُمْ بَأْسُ اللَّهِ، وَقَبْلَ أَنْ يُبْعَثَ عَلَيْكُمْ قَوْمٌ لَا رَحْمَةَ لَهُمْ بِكُمْ، وَإِنَّ رَبَّكُمْ قَرِيبُ التَّوْبَةِ، مَبْسُوطُ الْيَدَيْنِ بِالْخَيْرِ، رَحِيمٌ بِمَنْ تَابَ إِلَيْهِ. فَأَبَوْا عَلَيْهِ أَنْ يَنْزِعُوا عَنْ شَيْءٍ مِمَّا هُمْ عَلَيْهِ، وَإِنَّ اللَّهَ قَدْ أَلْقَى فِي قَلْبِ بُخْتَنَصَّرَ بْنِ نَجُورَ زَاذَانَ بْنِ سَنْحَارِيبَ بْنِ دَارَيَاسَ بْنِ نَمْرُودَ بْنِ فَالِخِ بْنِ عَابِرِ بْنِ نَمْرُودَ صَاحِبِ إِبْرَاهِيمَ الَّذِي حَاجَّهُ فِي رَبِّهِ، أَنْ يَسِيرَ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ، ثُمَّ يَفْعَلُ فِيهِ مَا كَانَ جَدُّهُ سَنْحَارِيبُ أَرَادَ أَنْ يَفْعَلَ، فَخَرَجَ فِي سِتِّ مِائَةِ أَلْفِ رَايَةٍ يُرِيدُ أَهْلَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، فَلَمَّا فَصَلَ سَائِرًا أَتَى مَلِكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ الْخَبَرُ أَنَّ بُخْتَنَصَّرَ قَدْ أَقْبَلَ هُوَ وَجُنُودُهُ يُرِيدُكُمْ، فَأَرْسَلَ الْمَلِكُ إِلَى إِرْمِيَا، فَجَاءَهُ فَقَالَ: يَا إِرْمِيَا أَيْنَ مَا زَعَمْتَ لَنَا أَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى إِلَيْكَ أَنْ لَا يُهْلِكَ أَهْلَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، حَتَّى يَكُونَ مِنْكَ الْأَمْرُ فِي ذَلِكَ؟ فَقَالَ إِرْمِيَا لِلْمَلِكِ: إِنَّ رَبِّي لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ، وَأَنَا بِهِ وَاثِقٌ. فَلَمَّا اقْتَرَبَ الْأَجَلُ وَدَنَا انْقِطَاعُ مُلْكِهِمْ وَعَزَمَ اللَّهُ عَلَى هَلَاكِهِمْ، بَع