عَمَّ بِالْخَبَرِ عَنْ عَمَاهُ فِي الدُّنْيَا، فَهُمْ كَمَا عَمَّ تَعَالَى ذِكْرُهُ. وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ ﴿فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى﴾ [الإسراء: ٧٢] فَكَسَرَتِ الْقِرأةُ جَمِيعًا أَعْنِي الْحَرْفَ الْأَوَّلَ قَوْلَهُ ﴿وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى﴾ [الإسراء: ٧٢] وَأَمَّا قَوْلُهُ ﴿فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى﴾ [الإسراء: ٧٢] فَإِنَّ عَامَّةِ قُرَّاءِ الْكُوفِيِّينَ أَمَالَتْ أَيْضًا قَوْلَهَ: ﴿فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى﴾ [الإسراء: ٧٢] وَأَمَّا بَعْضُ قُرَّاءِ الْبَصْرَةِ فَإِنَّهُ فَتَحَهُ، وَتَأَوَّلَهُ بِمَعْنَى: فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَشَدُّ عَمًى. وَاسْتَشْهَدَ لِصِحَّةِ قِرَاءَتِهِ بِقَوْلِهِ: ﴿وَأَضَلُّ سَبِيلًا﴾ [الإسراء: ٧٢] وَهَذِهِ الْقِرَاءَةُ هِيَ أَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ لِلشَّاهِدِ الَّذِي ذَكَرْنَا عَنْ قَارِئهِ كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا كَرِهَ مَنْ كَرِهَ قِرَاءَتَهُ كَذَلِكَ ظَنًّا مِنْهُ أَنَّ ذَلِكَ مَقْصُودٌ بِهِ قَصْدَ عَمَى الْعَيْنَيْنِ الَّذِي لَا يُوصَفُ أَحَدٌ بِأَنَّهُ أَعْمَى مِنْ آخَرَ أَعْمَى، إِذْ كَانَ عَمَى الْبَصَرِ لَا يَتَفَاوَتُ فَيَكُونَ أَحَدُهُمَا أَزْيَدَ عَمًى مِنَ الْآخَرِ، إِلَّا بِإِدْخَالِ أَشَدَّ أَوْ أَبْيَنَ، فَلَيْسَ الْأَمْرُ فِي ذَلِكَ كَذَلِكَ. وَإِنَّمَا قُلْنَا: ذَلِكَ مِنْ عَمَى الْقَلْبِ الَّذِي يَقَعُ فِيهِ التَّفَاوتُ، فَإِنَّمَا عَنَى بِهِ عَمَى قُلُوبِ الْكُفَّارِ عَنْ حُجَجِ اللَّهِ الَّتِي قَدْ عَايَنَتْهَا أَبْصَارُهُمْ، فَلِذَلِكَ جَازَ ذَلِكَ وَحَسُنَ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا -[١٣]- سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، ﴿فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى﴾ [الإسراء: ٧٢] قَالَ: أَعْمَى عَنْ حُجَّتِهِ فِي الْآخِرَةِ