} [الكهف: ١٩] فَـ ﴿قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ﴾ [الكهف: ١٩] حَتَّى بَلَغَ ﴿فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بَوِرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ﴾ [الكهف: ١٩] وَكَانَ وَرِقُ ذَلِكَ الزَّمَانِ كِبَارًا، فَأَرْسَلُوا أَحَدَهُمْ يَأْتِيَهُمْ بِطَعَامٍ وَشَرَابٍ، فَلَمَّا ذَهَبَ لِيَخْرُجَ، رَأَى عَلَى بَابِ الْكَهْفِ شَيْئًا أَنْكَرَهُ، فَأَرَادَ أَنْ يَرْجِعَ، ثُمَّ مَضَى حَتَّى دَخَلَ الْمَدِينَةَ، فَأَنْكَرَ مَا رَأَى، ثُمَّ أَخْرَجَ دِرْهَمًا، فَنَظَرُوا إِلَيْهِ فَأَنْكَرُوهُ، وَأَنْكَرُوا الدِّرْهَمَ، وَقَالُوا: مِنْ أَيْنَ لَكَ هَذَا؟ هَذَا مِنْ وَرِقِ غَيْرِ هَذَا الزَّمَانِ، وَاجْتَمَعُوا عَلَيْهِ يَسْأَلُونَهُ، فَلَمْ يَزَالُوا بِهِ حَتَّى انْطَلَقُوا بِهِ إِلَى مَلِكِهِمْ، وَكَانَ لِقَوْمِهِمْ لَوْحٌ يَكْتُبُونَ فِيهِ مَا يَكُونُ، فَنَظَرُوا فِي ذَلِكَ اللَّوْحِ، وَسَأَلَهُ الْمَلِكُ، فَأَخْبَرَهُ بِأَمْرِهِ، وَنَظَرُوا فِي الْكِتَابِ مَتَى فُقِدَ، فَاسْتَبْشَرُوا بِهِ وَبِأَصْحَابِهِ، وَقِيلَ لَهُ: انْطَلِقْ بِنَا فَأَرِنَا أَصْحَابَكَ، فَانْطَلَقَ وَانْطَلَقُوا مَعَهُ لِيُرِيَهُمْ، فَدَخَلَ قَبْلَ الْقَوْمِ، فَضُرِبَ عَلَى آذَانِهِمْ، فَقَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ: ﴿لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا﴾ [الكهف: ٢١]
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: مَرَجَ أَمْرُ أَهْلِ الْإِنْجِيلِ وَعَظُمَتْ فِيهِمُ الْخَطَايَا وَطَغَتْ فِيهِمُ الْمُلُوكُ، حَتَّى عَبَدُوا الْأَصْنَامَ وَذَبَحُوا لِلطَّوَاغِيتِ، وَفِيهِمْ عَلَى ذَلِكَ بَقَايَا عَلَى أَمْرِ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ، مُتَمَسِّكُونَ بِعِبَادَةِ اللَّهِ وَتَوْحِيدِهِ، فَكَانَ مِمَّنْ فَعَلَ ذَلِكَ مِنْ مُلُوكِهِمْ، مَلِكٌ مِنَ الرُّومِ يُقَالُ لَهُ: دَقْيُنُوسُ، كَانَ قَدْ عَبَدَ الْأَصْنَامَ، وَذَبَحَ لِلطَّوَاغِيتِ، وَقَتَلَ مَنْ خَالَفَهُ فِي ذَلِكَ مِمَّنْ أَقَامَ عَلَى دِينِ -[١٦٤]- عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ. كَانَ يَنْزِلُ فِي قُرَى الرُّومِ، فَلَا يَتْرُكُ فِي قَرْيَةٍ يَنْزِلُهَا أَحَدًا مِمَّنْ يَدِينُ بِدِينِ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ إِلَّا قَتَلَهُ، حَتَّى يَعْبُدَ الْأَصْنَامَ، وَيَذْبَحَ لِلطَّوَاغِيتِ، حَتَّى نَزَلَ دُقْيُنُوسَ مَدِينَةَ الْفِتْيَةِ أَصْحَابِ الْكَهْفِ، فَلَمَّا نَزَلَهَا دُقْيُنُوسَ كَبُرَ ذَلِكَ عَلَى أَهْلِ الْإِيمَانِ، فَاسْتَخْفَوْا مِنْهُ وَهَرَبُوا فِي كُلِّ وَجْهٍ. وَكَانَ دُقْيُنُوسَ قَدْ أَمَرَ حِينَ قَدِمَهَا أَنْ يُتَّبَعَ أَهْلُ الْإِيمَانِ فَيُجْمَعُوا لَهُ، وَاتَّخَذَ شُرَطًا مِنَ الْكُفَّارِ مِنْ أَهْلِهَا، فَجَعَلُوا يَتَّبِعُونَ أَهْلَ الْإِيمَانِ فِي أَمَاكِنِهِمُ الَّتِي يَسْتَخْفُونَ فِيهَا، فَيَسْتَخْرِجُونَهُمْ إِلَى دُقْيُنُوسَ، فَقَّدَمَهُمْ إِلَى الْمُجَامِعِ الَّتِي يُذْبَحُ فِيهَا لِلطَّوَاغِيتِ فَيُخَيِّرُهُمْ بَيْنَ الْقَتْلِ وَبَيْنَ عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ وَالذَّبْحِ لِلطَّوَاغِيتِ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَرْغَبُ فِي الْحَيَاةِ وَيَفْظَعُ بِالْقَتْلِ فَيُفْتَتَنُ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَأْبَى أَنْ يَعْبُدَ غَيْرَ اللَّهِ فَيُقْتَلُ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ أَهْلُ الصَّلَابَةِ مِنْ أَهْلِ الْإِيمَانِ بِاللَّهِ، جَعَلُوا يُسَلِّمُونَ أَنْفُسَهُمْ لِلْعَذَابِ وَالْقَتْلِ، فَيُقَتَّلُونَ وَيُقَطَّعُونَ، ثُمَّ يُرْبَطُ مَا قُطِعَ مِنْ أَجْسَادِهِمْ، فَيُعَلَّقُ عَلَى سُوَرِ الْمَدِينَةِ مِنْ نَوَاحِيهَا كُلِّهَا، وَعَلَى كُلِّ بَابٍ مِنْ أَبْوَابِهَا، حَتَّى عَظُمَتِ الْفِتْنَةُ عَلَى أَهْلِ الْإِيمَانِ، فَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ فَتُرِكَ، وَمِنْهُمْ مَنْ صَلُبَ عَلَى دِينِهِ فَقُتِلَ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ الْفِتْيَةُ أَصْحَابُ الْكَهْفِ، حَزِنُوا حُزْنًا شَدِيدًا، حَتَّى تَغَيَّرَتْ أَلْوَانُهُمْ، وَنَحَلَتْ أَجْسَامُهُمْ، وَاسْتَعَانُوا بِالصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ وَالصَّدَقَةِ، وَالتَّحْمِيدِ، وَالتَّسْبِيحِ، وَالتَّهْلِيلِ، وَالتَّكْبِيرِ، وَالْبُكَاءِ، وَالتَّضَرُّعِ إِلَى اللَّهِ، وَكَانُوا فِتْيَةً أَحْدَاثًا أَحْرَارًا مِنْ أَبْنَاءِ -[١٦٥]- أَشْرَافِ الرُّومِ


الصفحة التالية
Icon