طَلَعَتْ تَعْدِلُ عَنْ كَهْفِهِمْ، فَتَطْلُعُ عَلَيْهِ مِنْ ذَاتِ الْيَمِينِ، لِئَلَّا تُصِيبَ الْفِتْيَةَ، لِأَنَّهَا لَوْ طَلَعَتْ عَلَيْهِمْ قُبَالَهُمْ لَأَحْرَقَتْهُمْ وَثِيَابَهُمْ، أَوْ أَشْحَبَتْهُمْ. وَإِذَا غَرَبَتْ تَتْرُكُهُمْ بِذَاتِ الشِّمَالِ، فَلَا تُصِيبُهُمْ، يُقَالُ مِنْهُ: قَرَضْتُ مَوْضِعَ كَذَا: إِذَا قَطَعْتُهُ فَجَاوَزْتُهُ. وَكَذَلِكَ كَانَ يَقُولُ بَعْضُ أَهْلُ الْعِلْمِ بِكَلَامِ الْعَرَبِ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ. وَأَمَّا الْكُوفِيُّونَ فَإِنَّهُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّهُ الْمُحَاذَاةُ، وَذَكَرُوا أَنَّهُمْ سَمِعُوا مِنَ الْعَرَبِ قَرَضْتُهُ قُبُلًا وَدُبُرًا، وَحَذَوْتُهُ ذَاتَ الْيَمِينِ وَالشِّمَالِ، وَقُبُلًا وَدُبُرًا: أَيْ كُنْتُ بِحِذَائِهِ، قَالُوا: وَالْقَرْضُ وَالْحَذْوُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ. وَأَصْلُ الْقَرْضِ: الْقَطْعُ، يُقَالُ مِنْهُ: قَرَضْتُ الثَّوْبَ: إِذَا قَطَعْتُهُ، وَمِنْهُ قِيلَ لِلْمِقْرَاضِ: مِقْرَاضٌ، لِأَنَّهُ يَقْطَعُ، وَمِنْهُ قَرْضُ الْفَأْرِ الثَّوْبَ، وَمِنْهُ قَوْلُ ذِي الرُّمَّةِ:
[البحر الطويل]
إِلَى ظُعُنٍ يَقْرِضْنَ أَجْوَازَ مُشْرِفٍ | شِمَالًا وَعَنْ أَيْمَانِهِنَّ الْفَوَارِسُ |
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثني أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ﴾ [الكهف: ١٧] يَقُولُ: تَذَرُهُمْ
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي الْوَضَّاحِ، عَنْ -[١٨٨]- سَالِمٍ الْأَفْطَسِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ ﴿وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ﴾ [الكهف: ١٧] تَتْرُكُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ