وَالَّذِي نَقُولُ بِهِ فِي ذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ ذِكْرُهُ بِلُطْفِهِ، جَعَلَ الْكَلَامَ بَيْنَ خَلْقِهِ رَحْمَةً مِنْهُ بِهِمْ، لِيُبَيِّنَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَمَّا فِي ضَمَائِرِهِمْ. مِمَّا لَا تَحُسُّهُ أَبْصَارُهُمْ، وَقَدْ عَقَلَتِ الْعَرَبُ مَعْنَى الْقَائِلِ:
[البحر الكامل]

فِي مَهْمَهٍ قَلِقَتْ بِهِ هَامَاتُهَا قَلَقَ الْفُئُوسِ إِذَا أَرَدْنَ نُصُولَا
وَفَهِمْتَ أَنَّ الْفُئُوسَ لَا تُوصَفُ بِمَا يُوصَفُ بِهِ بَنُو آدَمَ مِنْ ضَمَائِرِ الصُّدُورِ مَعَ وَصْفِهَا إِيَّاهُمَا بِأَنَّهَا تُرِيدُ. وَعَلِمْتَ مَا يُرِيدُ الْقَائِلُ بِقَوْلِهِ:
[البحر البسيط]
كَمِثْلِ هَيْلِ النَّقَا طَافَ الْمُشَاةُ بِهِ يَنْهَالُ حِينًا وَيَنْهَاهُ الثَّرَى حِينَا
وَإِنَّمَا لَمْ يُرِدْ أَنَّ الثَّرَى نَطَقَ، وَلَكِنَّهُ أَرَادَ بِهِ أَنَّهُ تَلَبَّدَ بِالنَّدَى، فَمَنَعَهُ مِنَ الِانْهِيَالِ، فَكَانَ مَنْعُهُ إِيَّاهُ مِنْ ذَلِكَ كَالنَّهْيِ مِنْ ذَوِي الْمَنْطِقِ فَلَا يَنْهَالُ. وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ﴾ [الكهف: ٧٧] قَدْ عَلِمْتَ أَنَّ مَعْنَاهُ: قَدْ قَارَبَ مِنْ أَنْ يَقَعَ أَوْ يَسْقُطَ، وَإِنَّمَا خَاطَبَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِالْقُرْآنِ مَنْ أُنْزِلَ الْوَحْي بِلِسَانِهِ، وَقَدْ عَقَلُوا مَا عَنَى بِهِ وَإِنِ اسْتَعْجَمَ عَنْ فَهْمِهِ ذَوُو الْبَلَادَةِ وَالْعَمَى، وَضَلَّ فِيهِ ذَوُو الْجَهَالَةِ وَالْغَبَا.
وَقَوْلُهُ: ﴿فَأَقَامَهُ﴾ [الكهف: ٧٧] ذَكَرَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: هَدَمَهُ ثُمَّ قَعَدَ يَبْنِيهِ حَدَّثَنَا بِذَلِكَ ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، قَالَ: ثني ابْنُ إِسْحَاقَ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عُمَارَةَ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ


الصفحة التالية
Icon