قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَلْجَأَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ
حَدَّثَنَا مُوسَى، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، ﴿فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ﴾ [مريم: ٢٣] يَقُولُ: أَلْجَأَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ﴾ [مريم: ٢٣] قَالَ: اضْطَرَّهَا إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ وَاخْتَلَفُوا فِي أَيِّ الْمَكَانِ الَّذِي انْتَبَذَتْ مَرْيَمُ بِعِيسَى لِوَضْعِهِ، وَأَجَاءَهَا إِلَيْهِ الْمَخَاضُ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: كَانَ ذَلِكَ فِي أَدْنَى أَرْضِ مِصْرَ، وَآخَرُ: أَرْضُ الشَّامِ، وَذَلِكَ أَنَّهَا هَرَبَتْ مِنْ قَوْمِهَا لَمَّا حَمَلَتْ، فَتَوَجَّهَتْ نَحْوَ مِصْرَ هَارِبَةً مِنْهُمْ
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَهْلٍ، قَالَ: ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الْكَرِيمِ، قَالَ: ثني عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ مَعْقِلٍ، أَنَّهُ سَمِعَ وَهْبَ بْنَ مُنَبِّهٍ، يَقُولُ: لَمَّا اشْتَمَلَتْ مَرْيَمُ عَلَى الْحَمْلِ، كَانَ مَعَهَا قَرَابَةٌ لَهَا، يُقَالُ لَهُ يُوسُفُ النَّجَّارُ، وَكَانَا مُنْطَلِقَيْنِ إِلَى الْمَسْجِدِ الَّذِي عِنْدَ جَبَلِ صُهْيُونَ، وَكَانَ ذَلِكَ الْمَسْجِدُ يَوْمَئِذٍ مِنْ أَعْظَمِ مَسَاجِدِهِمْ، فَكَانَتْ مَرْيَمُ -[٤٩٥]- وَيُوسُفُ يَخْدُمَانِ فِي ذَلِكَ الْمَسْجِدِ، فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ، وَكَانَ لِخِدْمَتِهِ فَضْلٌ عَظِيمٌ، فَرَغِبَا فِي ذَلِكَ، فَكَانَا يَلِيَانِ مُعَالَجَتِهِ بَأَنْفُسِهِمَا، تَحْبِيَرَهُ وَكُنَاسَتَهُ وَطُهُورَهُ، وَكُلَّ عَمَلٍ يُعْمَلُ فِيهِ، وَكَانَ لَا يَعْمَلُ مِنْ أَهْلِ زَمَانِهِمَا أَحَدٌ أَشَدُّ اجْتِهَادًا وَعِبَادَةً مِنْهُمَا، فَكَانَ أَوَّلَ مَنْ أَنْكَرَ حَمْلَ مَرْيَمَ صَاحِبَهَا يُوسُفُ، فَلَمَّا رَأَى الَّذِي بِهَا اسْتَفْظَعَهُ، وَعَظُمَ عَلَيْهِ، وَفَظَعَ بِهِ، فَلَمْ يَدْرِ عَلَى مَاذَا يَضَعُ أَمْرَهَا، فَإِذَا أَرَادَ يُوسُفُ أَنْ يَتَّهِمَهَا ذَكَرَ صَلَاحَهَا وَبَرَاءَتَهَا، وَأَنَّهَا لَمْ تَغِبْ عَنْهُ سَاعَةً قَطُّ، وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يُبَرِّئَهَا، رَأَى الَّذِي ظَهَرَ عَلَيْهَا، فَلَمَّا اشْتَدَّ عَلَيْهِ ذَلِكَ كَلَّمَهَا، فَكَانَ أَوَّلُ كَلَامِهِ إِيَّاهَا أَنْ قَالَ لَهَا: إِنَّهُ قَدْ حَدَثَ فِي نَفْسِي مِنْ أَمْرِكِ أَمْرٌ قَدْ خَشْيَتُهُ، وَقَدْ حَرَصْتُ عَلَى أَنْ أُمِيتَهُ وَأَكْتُمَهُ فِي نَفْسِي، فَغَلَبَنِي ذَلِكَ، فَرَأَيْتُ الْكَلَامَ فِيهِ أَشْفَى لِصَدْرِي، قَالَتْ: فَقُلْ قَوْلًا جَمِيلًا، قَالَ: مَا كُنْتُ لَأَقُولَ لَكَ إِلَّا ذَلِكَ، فَحَدِّثِينِي، هَلْ يَنْبُتُ زَرْعٌ بِغَيْرِ بَذْرٍ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ: فَهَلْ تَنْبُتُ شَجَرَةٌ مِنْ غَيْرِ غَيْثٍ يُصِيبُهَا؟ قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ: فَهَلْ يَكُونُ وَلَدٌ مِنْ غَيْرِ ذَكَرٍ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَبْتَ الزَّرْعَ يَوْمَ خَلَقَهُ مِنْ غَيْرِ بَذْرٍ، وَالْبَذْرُ يَوْمَئِذٍ إِنَّمَا صَارَ مِنَ الزَّرْعِ الَّذِي أَنْبَتَهُ اللَّهُ مِنْ غَيْرِ بَذْرٍ، أَوَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ بِقُدْرَتِهِ أَنَبْتَ الشَّجَرَ بِغَيْرِ غَيْثٍ، وَأَنَّهُ جَعَلَ بِتِلْكَ الْقُدْرَةِ الْغَيْثَ حَيَاةً لِلشَّجَرِ بَعْدَ مَا خَلَقَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَحْدَهُ، أَمْ تَقُولُ: لَنْ يَقْدِرَ اللَّهُ عَلَى أَنْ يُنْبِتَ -[٤٩٦]- الشَّجَرَ حَتَّى اسْتَعَانَ عَلَيْهِ بِالْمَاءِ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى إِنْبَاتِهِ؟ قَالَ يُوسُفُ لَهَا: لَا أَقُولُ هَذَا، وَلَكِنِّي أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِقُدْرَتِهِ عَلَى مَا يَشَاءُ يَقُولُ لِذَلِكَ كُنْ فَيَكُونُ، قَالَتْ مَرْيَمُ: أَوَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى خَلَقَ آدَمَ وَامْرَأَتَهُ مِنْ غَيْرِ أُنْثَى وَلَا ذَكَرٍ؟ قَالَ: بَلَى، فَلَمَّا قَالَتْ لَهُ ذَلِكَ، وَقَعَ فِي نَفْسِهِ أَنَّ الَّذِيَ بِهَا شَيْءٌ مِنَ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، وَأَنَّهُ لَا يَسَعُهُ أَنْ يَسْأَلَهَا عَنْهُ، وَذَلِكَ لِمَا رَأَى مِنْ كِتْمَانِهَا لِذَلِكَ ثُمَّ تَوَلَّى يُوسُفُ خِدْمَةَ الْمَسْجِدِ، وَكَفَاهَا كُلَّ عَمَلٍ كَانَتْ تَعْمَلُ فِيهِ، وَذَلِكَ لَمَّا رَأَى مِنْ رِقَّةِ جِسْمِهَا، وَاصْفِرَارِ لَوْنِهَا، وَكَلَفِ وَجْهِهَا، وَنُتُوِّ بَطْنِهَا، وَضَعْفِ قُوَّتِهَا، وَدَأَبِ نَظَرِهَا، وَلَمْ تَكُنْ مَرْيَمُ قَبْلَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَلَمَّا دَنَا نِفَاسُهَا أَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهَا أَنِ اخْرُجِي مِنْ أَرْضِ قَوْمِكِ، فَإِنَّهُمْ إِنْ ظَفِرُوا بِكِ عَيَّرُوكِ، وَقَتَلُوا وَلَدَكِ، فَأَفْضَتْ ذَلِكَ إِلَى أُخْتِهَا، وَأُخْتُهَا حِينَئِذٍ حُبْلَى، وَقَدْ بُشِّرَتْ بِيَحْيَى، فَلَمَّا الْتَقَيَا وَجَدَتْ أُمُّ يَحْيَى مَا فِي بَطْنِهَا خَرَّ لِوَجْهِهِ سَاجِدًا مُعْتَرِفًا لِعِيسَى، فَاحْتَمَلَهَا يُوسُفُ إِلَى أَرْضِ مِصْرَ عَلَى حِمَارٍ لَهُ لَيْسَ بَيْنَهَا حِينَ رَكِبَتْ وَبَيْنَ الْأَكَافِ شَيْءٌ، فَانْطَلَقَ يُوسُفُ بِهَا حَتَّى إِذَا كَانَ مُتَاخِمًا لِأَرْضِ مِصْرَ فِي مُنْقَطِعِ بِلَادِ قَوْمِهَا، أَدْرَكَ مَرْيَمَ النِّفَاسُ، أَلْجَأَهَا إِلَى آرِيِّ حِمَارٍ، يَعْنِي مِذْوَدِ الْحِمَارِ، وَأَصْلِ نَخْلَةٍ، وَذَلِكَ فِي زَمَانٍ أَحْسِبُهُ بَرْدًا أَوْ حَرًّا «الشَّكُّ مِنْ أَبِي جَعْفَرٍ» فَاشْتَدَّ عَلَى مَرْيَمَ الْمَخَاضُ، فَلَمَّا وَجَدَتْ مِنْهُ شِدَّةً الْتَجَأَتْ إِلَى النَّخْلَةِ -[٤٩٧]- فَاحْتَضَنَتْهَا وَاحْتَوَشَتْهَا الْمَلَائِكَةُ، قَامُوا صُفُوفًا مُحَدِّقِينَ بِهَا وَقَدْ رُوِيَ عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ قَوْلٌ آخَرُ غَيْرُ هَذَا، وَذَلِكَ مَا:


الصفحة التالية
Icon