وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا عُلَمَاءٌ مِنَ الْقُرَّاءِ، وَجَاءَتْ بِهِمَا مَصَاحِفُ الْمُسْلِمِينَ، مُتَّفِقَتَا الْمَعْنَى، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ إِذَا أَمَرَ مُحَمَّدًا بِقِيلِ ذَلِكَ قَالَهُ، وَإِذَا قَالَهُ فَعَنْ أَمْرِ اللَّهِ قَالَهُ، فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ الصَّوَابَ فِي قِرَاءَتِهِ
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿بَلْ قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ﴾ [الأنبياء: ٥] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: مَا صَدَّقُوا بِحِكْمَةِ هَذَا الْقُرْآنِ، وَلَا أَنَّهُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَلَا أَقَرُّوا بِأَنَّهُ وَحْي أَوْحَى اللَّهُ إِلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بَلْ قَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ أَهَاوِيلُ رُؤْيَا رَآهَا فِي النَّوْمِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ فِرْيَةٌ وَاخْتِلَاقٌ افْتَرَاهُ، وَاخْتَلَقَهُ مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ مُحَمَّدٌ شَاعِرٌ، وَهَذَا الَّذِي جَاءَكُمْ بِهِ شِعرٌ. ﴿فَلْيَأْتِنَا﴾ [الأنبياء: ٥] يَقُولُ: قَالُوا: فَلْيَجِئْنَا مُحَمَّدٌ إِنْ كَانَ صَادِقًا فِي قَوْلِهِ: إِنَّ اللَّهَ بَعَثَهُ رَسُولًا إِلَيْنَا، وَإِنَّ هَذَا الَّذِي يَتْلُوهُ عَلَيْنَا وَحْي مِنَ اللَّهِ أَوْحَاهُ إِلَيْنَا ﴿بِآيَةٍ﴾ [آل عمران: ٤٩] يَقُولُ: بِحُجَّةٍ، وَدِلَالَةٍ عَلَى حَقِيقَةِ مَا يَقُولُ وَيَدَّعِي، ﴿كَمَا أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ﴾ [الأنبياء: ٥] يَقُولُ: كَمَا جَاءَتْ بِهِ الرُّسُلُ الْأَوَّلُونَ مِنْ قَبْلِهِ مِنْ إِحْيَاءِ الْمَوْتَى، وَإِبْراءِ الْأَكْمَهِ، وَالْأَبْرَصِ، وَكَنَاقَةِ صَالِحٍ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنَ الْمُعْجِزَاتِ الَّتِي لَا يَقْدِرُ عَلَيْهَا إِلَّا اللَّهُ، وَلَا يَأْتِي بِهَا إِلَّا الْأَنْبِيَاءُ وَالرُّسُلُ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ