وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ مِمَّنْ قَالَ نَحْوَ هَذِهِ الْمَقَالَةِ: إِنَّمَا قَالَ: ﴿خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ﴾ [الأنبياء: ٣٧] وَهُوَ يَعْنِي أَنَّهُ خَلَقَهُ مِنْ تَعْجِيلٍ مِنَ الْأَمْرِ، لِأَنَّهُ قَالَ: ﴿إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونَ﴾ [النحل: ٤٠] قَالَ: فَهَذَا الْعَجَلُ. وَقَوْلُهُ: ﴿فَلَا تَسْتَعْجِلُونَ﴾ [الأنبياء: ٣٧] إِنِّي ﴿سَأُرِيكُمْ آيَاتِي﴾ [الأنبياء: ٣٧] وَعَلَى قَوْلِ صَاحِبِ هَذِهِ الْمَقَالَةِ، يَجِبُ أَنْ يَكُونَ كُلُّ خَلْقِ اللَّهِ خُلِقَ عَلَى عَجَلٍ، لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ خُلِقَ بِأَنْ قِيلَ لَهُ: كُنْ، فَكَانَ. فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَمَا وَجْهُ خُصُوصِ الْإِنْسَانِ إِذًا بِذِكْرِ أَنَّهُ خُلِقَ مِنْ عَجَلٍ دُونَ الْأَشْيَاءِ كُلِّهَا، وَكُلُّهَا مَخْلُوقٌ مِنْ عَجَلٍ؟ وَفِي خُصُوصِ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ الْإِنْسَانَ بِذَلِكَ الدَّلِيلُ الْوَاضِحُ، عَلَى أَنَّ الْقَوْلَ فِي ذَلِكَ غَيْرُ الَّذِي قَالَهُ صَاحِبُ هَذِهِ الْمَقَالَةِ. وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُمْ: هَذَا مِنَ الْمَقْلُوبِ، وَإِنَّمَا خُلِقَ الْعَجَلُ مِنَ الْإِنْسَانِ، وَخُلِقَتِ الْعَجَلَةُ مِنَ الْإِنْسَانِ. وَقَالُوا: ذَلِكَ مِثْلُ قَوْلِهِ: ﴿مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ﴾ [القصص: ٧٦]، إِنَّمَا هُوَ: لَتَنُوءُ الْعَصَبَةُ بِهَا مُتَثَاقِلَةً. وَقَالُوا: هَذَا وَمَا أَشْبَهُهُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ كَثِيرٌ مَشْهُورٌ. قَالُوا: وَإِنَّمَا كُلِّمَ الْقَوْمُ بِمَا يَعْقِلُونَ. قَالُوا: وَذَلِكَ مِثْلُ قَوْلِهِمْ: عُرِضَتِ النَّاقَةُ، وَكَقَوْلِهِمْ: إِذَا طَلَعَتِ الشِّعْرَى، وَاسْتَوَتِ الْعُودُ عَلَى الْحِرْبَاءِ، أَيِ اسْتَوَتِ الْحِرْبَاءُ عَلَى الْعُودِ، كَقَوْلِ الشَّاعِرِ:
[البحر الطويل]


الصفحة التالية
Icon