قَالَ أَيُّوبُ: إِنِّي لَأَعْلَمُ أَنَّ هَذَا هُوَ الْحَقُّ، لَنْ يَفْلُجَ الْعَبْدُ عَلَى رَبِّهِ، وَلَا يُطِيقُ أَنْ يُخَاصِمَهُ، فَأَيُّ كَلَامٍ لِي مَعَهُ وَإِنْ كَانَ إِلَيَّ الْقُوَّةُ؟ هُوَ الَّذِي سَمَكَ السَّمَاءَ فَأَقَامَهَا وَحْدَهُ، وَهُوَ الَّذِي يَكْشِطُهَا إِذَا شَاءَ فَتَنْطَوِي لَهُ، وَهُوَ الَّذِي سَطَحَ الْأَرْضَ فَدَحَاهَا وَحْدَهُ، وَنَصَبَ فِيهَا الْجِبَالَ الرَّاسِيَاتِ، ثُمَّ هُوَ الَّذِي يُزَلْزِلُهَا مِنْ أُصُولِهَا حَتَّى تَعُودَ أَسَافِلُهَا أَعَالِيَهَا، وَإِنْ كَانَ فِي الْكَلَامِ، فَأَيُّ كَلَامٍ لِي مَعَهُ؟ مَنْ خَلَقَ الْعَرْشَ الْعَظِيمَ بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ، فَحَشَاهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا فِيهِمَا مِنَ الْخَلْقِ، فَوَسِعَهُ وَهُوَ فِي سَعَةٍ وَاسِعَةٍ، وَهُوَ الَّذِي كَلَّمَ الْبِحَارَ، فَفَهِمَتْ قَوْلَهُ، وَأَمَرَهَا فَلَمْ تَعْدُ أَمْرَهُ، وَهُوَ الَّذِي يُفَقِّهُّ الْحِيتَانَ وَالطَّيْرَ وَكُلَّ دَابَّةٍ، وَهُوَ الَّذِي يُكَلِّمُ الْمَوْتَى فَيُحْيِيهِمْ قَوْلُهُ، وَيُكَلِّمُ الْحِجَارَةَ فَتَفْهَمُ قَوْلَهُ، وَيَأْمُرُهَا فَتُطِيعُهُ. قَالَ أَلْيفَزُ: عَظِيمٌ مَا تَقُولُ يَا أَيُّوبُ، إِنَّ الْجُلُودَ لَتَقْشَعِرُّ مِنْ ذِكْرِ مَا تَقُولُ، إِنَّ مَا أَصَابَكَ مَا أَصَابَكَ بِغَيْرِ ذَنْبٍ أَذْنَبْتَهُ، مِثْلُ هَذِهِ الْحِدَّةِ، وَهَذَا الْقَوْلِ أَنْزَلَكَ هَذِهِ الْمَنْزِلَةَ، عَظُمَتْ خَطِيئَتُكَ، وَكَثُرَ طُلَّابُكَ، وَغَصَبْتَ أَهْلَ الْأَمْوَالِ عَلَى أَمْوَالِهِمْ، فَلَبِسْتَ وَهُمْ عُرَاةٌ، وَأَكَلْتَ وَهُمْ جِيَاعٌ، وَحَبَسْتَ عَنِ الضَّعِيفِ بَابَكَ، وَعَنِ الْجَائِعِ طَعَامَكَ، وَعَنْ الْمُحْتَاجِ مَعْرُوفَكَ، وَأَسْرَرْتَ ذَلِكَ، وَأَخْفَيْتَهُ فِي بَيْتِكَ، وَأَظْهَرْتَ أَعْمَالًا كُنَّا نَرَاكَ تَعْمَلُهَا، فَظَنَنْتَ أَنَّ اللَّهَ لَا يَجْزِيكَ إِلَّا عَلَى مَا ظَهَرَ مِنْكَ، وَظَنَنْتَ أَنَّ اللَّهَ لَا يَطَّلِعُ عَلَى مَا غَيَّبْتَ فِي بَيْتِكَ، وَكَيْفَ لَا يَطَّلِعُ عَلَى ذَلِكَ وَهُوَ يَعْلَمُ مَا غَيَّبَتِ الْأَرْضُونَ، وَمَا تَحْتَ الظُّلُمَاتِ وَالْهَوَاءِ؟ قَالَ أَيُّوبُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنْ تَكَلَّمْتُ لَمْ يَنْفَعْنِي الْكَلَامُ، وَإِنْ سَكَتُّ لَمْ تَعْذُرُونِي قَدْ وَقَعَ عَلَيَّ كَيْدِي، وَأَسْخَطْتُ رَبِّي بِخَطِيئَتِي، وَأَشْمَتُّ أَعْدَائِي،


الصفحة التالية
Icon