قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَالَّذِي هُوَ أَوْلَى بِتَأْوِيلِ الْآيَةِ مِنَ الْقَوْلِ، قَوْلُ مَنْ قَالَ: مَعْنَاهُ: أَكَادُ أُخْفِيهَا مِنْ نَفْسِي، لِأَنَّ تَأْوِيلَ أَهْلِ التَّأْوِيلِ بِذَلِكَ جَاءَ. وَالَّذِي ذُكِرَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ مِنْ قِرَاءَةِ ذَلِكَ بِفَتْحِ الْأَلِفِ قِرَاءَةٌ لَا أَسْتَجِيزُ الْقِرَاءَةَ بِهَا لِخِلَافِهَا قِرَاءَةَ الْحُجَّةِ الَّتِي لَا يَجُوزُ خِلَافُهَا فِيمَا جَاءَتْ بِهِ نَقْلًا مُسْتَفِيضًا. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: وَلَمْ وَجَّهْتَ تَأْوِيلَ قَوْلِهِ ﴿أَكَادُ أُخْفِيهَا﴾ [طه: ١٥] بِضَمِّ الْأَلِفِ إِلَى مَعْنًى: أَكَادُ أُخْفِيهَا مِنْ نَفْسِي، دُونَ تَوْجِيهِهِ إِلَى مَعْنًى: أَكَادُ أُظْهِرُهَا، وَقَدْ عَلِمْتُ أَنَّ لِلْإِخْفَاءِ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا الْإِظْهَارُ، وَالْآخَرُ الْكِتْمَانُ، وَأَنَّ الْإِظْهَارَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ أَشْبَهُ بِمَعْنَى الْكَلَامِ، إِذْ كَانَ الْإِخْفَاءُ مِنْ نَفْسِهِ يَكَادُ عِنْدَ السَّامِعِينَ أَنْ يَسْتَحِيلَ مَعْنَاهُ، إِذْ كَانَ مُحَالًا أَنْ يُخْفِيَ أَحَدٌ عَنْ نَفْسِهِ شَيْئًا هُوَ بِهِ عَالِمٌ، وَاللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ خَافِيَةٌ؟ قِيلَ: الْأَمْرُ فِي ذَلِكَ بِخِلَافِ مَا ظَنَنْتَ، وَإِنَّمَا وَجَّهْنَا مَعْنَى ﴿أُخْفِيهَا﴾ [طه: ١٥] بِضَمِّ الْأَلِفِ إِلَى مَعْنَى: أَسْتُرُهَا مِنْ نَفْسِي، لِأَنَّ الْمَعْرُوفَ مِنْ مَعْنَى الْإِخْفَاءِ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ: السَّتْرُ. يُقَالُ: قَدْ أَخْفَيْتُ الشَّيْءَ: إِذَا سَتَرْتُهُ. وَأَنَّ الَّذِينَ وَجَّهُوا مَعْنَاهُ إِلَى الْإِظْهَارِ.
اعْتَمَدُوا عَلَى بَيْتٍ لِامْرِئِ الْقَيْسِ بْنِ عَابِسٍ الْكِنْدِيِّ حُدِّثْتُ عَنْ مَعْمَرِ بْنِ الْمُثَنَّى، أَنَّهُ قَالَ: أَنْشَدَنِيهِ أَبُو الْخَطَّابِ، عَنْ أَهْلِهِ، فِي بَلَدِهِ:
[البحر المتقارب]

فَإِنْ تَدْفِنُوا الدَّاءَ لَا نُخْفِهِ... وَإِنْ تَبْعَثُوا الْحَرْبَ لَا نَقْعُدِ

بِضَمِّ النُّونِ مِنْ لَا نُخْفِهِ، وَمَعْنَاهُ: لَا نُظْهِرُهُ، فَكَانَ اعْتِمَادُهُمْ فِي تَوْجِيهِ


الصفحة التالية
Icon