حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ إِيَاسِ بْنِ مُعَاوِيَةَ الْمَدَنِيِّ، أَنَّهُ كَانَ إِذَا ذُكِرَ عِنْدَهُ يُونُسُ، وَقَوْلُهُ: ﴿فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ﴾ [الأنبياء: ٨٧] يَقُولُ إِيَاسُ: «فَلِمَ فَرَّ» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ ذَلِكَ بِمَعْنَى الِاسْتِفْهَامِ، وَإِنَّمَا تَأْوِيلُهُ: أَفَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ؟
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ﴾ [الأنبياء: ٨٧] قَالَ: هَذَا اسْتِفْهَامٌ. وَفِي قَوْلِهِ: ﴿فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ﴾ [القمر: ٥]، قَالَ: «اسْتِفْهَامٌ أَيْضًا» قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَالِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ عِنْدِي بِالصَّوَابِ، قَوْلُ مَنْ قَالَ: عَنَى بِهِ: فَظَنَّ يُونُسُ أَنْ لَنْ نَحْبِسَهُ، وَنُضَيِّقَ عَلَيْهِ، عُقُوبَةً لَهُ عَلَى مُغَاضَبَتِهِ رَبَّهُ. وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ أَوْلَى بِتَأْوِيلِ الْكَلِمَةِ، لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُنْسَبَ إِلَى الْكُفْرِ وَقَدِ اخْتَارَهُ لِنُبُوَّتِهِ، وَوَصْفُهُ بِأَنْ ظَنَّ أَنَّ رَبَّهُ يَعْجِزُ عَمَّا أَرَادَ بِهِ، وَلَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ، وَصْفٌ لَهُ بِأَنَّهُ جَهِلَ قُدْرَةَ اللَّهِ، وَذَلِكَ وَصْفٌ لَهُ بِالْكُفْرِ، وَغَيْرُ جَائِزٍ لِأَحَدٍ وَصْفُهُ بِذَلِكَ. وَأَمَّا مَا قَالَهُ ابْنُ زَيْدٍ، فَإِنَّهُ قَوْلٌ لَوْ كَانَ فِي الْكَلَامِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ اسْتِفْهَامٌ حَسَنٌ، وَلَكِنَّهُ لَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ. وَالْعَرَبُ لَا تَحْذِفُ مِنَ الْكَلَامِ شَيْئًا لَهُمْ إِلَيْهِ حَاجَةٌ إِلَّا وَقَدْ أَبْقَتْ دَلِيلًا عَلَى أَنَّهُ مُرَادٌ فِي الْكَلَامِ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِي قَوْلِهِ