حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا﴾ [النور: ٥] الْآيَةَ، قَالَ: " مَنِ اعْتَرَفَ وَأَقَرَّ عَلَى نَفْسِهِ عَلَانِيَةً أَنَّهُ قَالَ الْبُهْتَانَ، وَتَابَ إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا وَالنَّصُوحُ: أَنْ لَا يَعُودُوا، وَإِقْرَارُهُ وَاعْتِرَافُهُ عِنْدَ الْحَدِّ حِينَ يُؤْخَذُ بِالْجَلْدِ فَقَدْ تَابَ، وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ " وَقَالَ آخَرُونَ: تَوْبَتُهُ مِنْ ذَلِكَ صَلَاحُ حَالِهِ، وَنَدَمُهُ عَلَى مَا فَرَطَ مِنْهُ مِنْ ذَلِكَ، وَالِاسْتِغْفَارُ مِنْهُ، وَتَرْكُهُ الْعَوْدَ فِي مِثْلِ ذَلِكَ مِنَ الْجُرْمِ. وَذَلِكَ قَوْلُ جَمَاعَةٍ مِنَ التَّابِعِينَ وَغَيْرِهِمْ، وَقَدْ ذَكَرْنَا بَعْضَ قَائِلِيهِ فِيمَا مَضَى، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ. وَهَذَا الْقَوْلُ أَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ جَعَلَ تَوْبَةَ كُلِّ ذِي ذَنْبٍ مِنْ أَهْلِ الْإِيمَانِ تَرْكَهُ الْعَوْدَ مِنْهُ، وَالنَّدَمَ عَلَى مَا سَلَفَ مِنْهُ، وَاسْتِغْفَارَ رَبِّهِ مِنْهُ، فِيمَا كَانَ مِنْ ذَنْبٍ بَيْنَ الْعَبْدِ وَبَيْنَهُ، دُونَ مَا كَانَ مِنْ -[١٧٦]- حُقُوقِ عِبَادِهِ وَمَظَالِمِهِمْ بَيْنَهُمْ. وَالْقَاذِفُ إِذَا أُقِيمَ عَلَيْهِ فِيهِ الْحَدُّ أَوْ عُفِيَ عَنْهُ، فَلَمْ يَبْقَ عَلَيْهِ إِلَّا تَوْبَتُهُ مِنْ جُرْمِهِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ، فَسَبِيلُ تَوْبَتِهِ مِنْهُ سَبِيلُ تَوْبَتِهِ مِنْ سَائِرِ أَجْرَامِهِ. فَإِذْ كَانَ الصَّحِيحُ فِي ذَلِكَ مِنَ الْقَوْلِ مَا وَصَفْنَا، فَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ: وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ، إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ جُرْمِهِمُ الَّذِي اجْتَرَمُوُهُ بِقَذْفِهِمُ الْمُحْصَنَاتِ مِنْ بَعْدِ اجْتِرَامِهِمُوهُ ﴿فإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [البقرة: ١٩٢] يَقُولُ: سَاتِرٌ عَلَى ذُنُوبِهِمْ بِعَفْوِهِ لَهُمْ عَنْهَا، رَحِيمٌ بِهِمْ بَعْدَ التَّوْبَةِ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ عَلَيْهَا، فَاقْبَلُوا شَهَادَتَهُمْ، وَلَا تُسَمُّوهُمْ فَسَقَةً، بَلْ سَمُّوهُمْ بِأَسْمَائِهِمُ الَّتِي هِيَ لَهُمْ فِي حَالِ تَوْبَتِهِمْ


الصفحة التالية
Icon