حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَاطِبٍ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَقَّاصٍ، وَغَيْرِهِ، أَيْضًا، قَالَ: خَرَجَتْ عَائِشَةُ تُرِيدُ الْمَذْهَبَ، وَمَعَهَا أُمُّ مِسْطَحٍ. وَكَانَ مِسْطَحُ بْنُ أُثَاثَةَ مِمَّنْ قَالَ مَا قَالَ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ النَّاسَ قَبْلَ ذَلِكَ، فَقَالَ: «كَيْفَ تَرَوْنَ فِيمَنْ يُؤْذِينِي فِي أَهْلِي وَيَجْمَعُ فِي بَيْتِهِ مَنْ يُؤْذِينِي؟» فَقَالَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ: أَيْ رَسُولَ اللَّهِ، إِنْ كَانَ مِنَّا مَعْشَرَ الْأَوْسِ جَلَدْنَا رَأْسَهُ، وَإِنْ كَانَ مِنْ إِخْوَانِنَا مِنَ الْخَزْرَجِ، أَمَرْتَنَا فَأَطَعْنَاكَ. فَقَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ: يَا ابْنَ مُعَاذٍ، وَاللَّهِ مَا بِكَ نُصْرَةُ رَسُولِ اللَّهِ، وَلَكِنَّهَا قَدْ كَانَتْ ضَغَائِنُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَإِحَنٌ لَمْ تَحْلِلْ لَنَا مِنْ صُدُورِكُمْ بَعْدُ -[٢١٠]- فَقَالَ ابْنُ مُعَاذٍ: اللَّهُ أَعْلَمُ مَا أَرَدْتُ. فَقَامَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ، فَقَالَ: يَا ابْنَ عُبَادَةَ، إِنَّ سَعْدًا لَيْسَ شَدِيدًا، وَلَكِنَّكَ تُجَادِلُ عَنِ الْمُنَافِقِينَ وَتَدْفَعُ عَنْهُمْ. وَكَثُرَ اللَّغَطُ فِي الْمَسْجِدِ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسٌ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَمَا زَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُومِئُ بِيَدِهِ إِلَى النَّاسِ هَاهُنَا، وَهَاهُنَا، حَتَّى هَدَأَ الصَّوْتُ وَقَالَتْ عَائِشَةُ: كَانَ الَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ، وَالَّذِي يَجْمَعُهُمْ فِي بَيْتِهِ، عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيِّ ابْنَ سَلُولَ. قَالَتْ: فَخَرَجْتُ إِلَى الْمَذْهَبِ وَمَعِي أُمُّ مِسْطَحٍ، فَعَثَرَتْ، فَقَالَتْ: تَعِسَ مِسْطَحٌ فَقُلْتُ: غَفَرَ اللَّهُ لَكِ، أَتَقُولِينَ هَذَا لِابْنِكِ، وَلِصَاحِبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَتْ ذَلِكَ مَرَّتَيْنِ، وَمَا شَعُرْتُ بِالَّذِي كَانَ. فَحَدَّثَتْ، فَذَهَبَ عَنِّي الَّذِي خَرَجْتُ لَهُ، حَتَّى مَا أَجِدُ مِنْهُ شَيْئًا. وَرَجَعْتُ عَلَى أَبَوَيَّ أَبِي بَكْرٍ، وَأُمِّ رُومَانَ، فَقُلْتُ: أَمَا اتَّقَيْتُمَا اللَّهَ فِيَّ، وَمَا وَصَلْتُمَا رَحِمِي؟ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي قَالَ، وَتَحَدَّثَ النَّاسُ بِالَّذِي تَحَدَّثُوا بِهِ، وَلَمْ تُعْلِمَانِي فَأُخْبِرَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ: أَيْ بُنَيَّةُ، وَاللَّهِ لَقَلَّمَا أَحَبَّ رَجُلٌ قَطُّ امْرَأَتَهُ إِلَّا قَالُوا لَهَا نَحْوَ الَّذِي قَالُوا لَكِ أَيْ بُنَيَّةُ ارْجِعِي إِلَى بَيْتِكِ حَتَّى نَأْتِيَكِ فِيهِ فَرَجَعْتُ، وَارْتَكَبَنِي صَالِبٌ مِنْ حُمَّى، فَجَاءَ أَبَوَايَ فَدَخَلَا، وَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى جَلَسَ عَلَى سَرِيرِي وِجَاهِي، فَقَالَا: أَيْ بَيِّنَةُ، إِنْ كُنْتِ صَنَعْتِ مَا قَالَ النَّاسُ فَاسْتَغْفِرِي اللَّهَ، وَإِنْ لَمْ تَكُونِي صَنَعْتِيهِ فَأَخْبِرِي رَسُولَ اللَّهِ بِعُذْرِكِ قُلْتُ: مَا أَجِدُ لِي وَلَكُمْ إِلَّا كَأَبِي يُوسُفَ ﴿فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ﴾ [يوسف: ١٨]. قَالَتْ: فَالْتَمَسْتُ اسْمَ يَعْقُوبَ، فَمَا قَدَرْتُ، أَوْ فَلَمْ أَقْدِرْ عَلَيْهِ. فَشَخَصَ بَصَرُ رَسُولِ اللَّهِ إِلَى السَّقْفِ، وَكَانَ إِذَا نَزَلَ عَلَيْهِ وَجَدَ، قَالَ اللَّهُ: ﴿إِنَّا سَنُلْقِي -[٢١١]- عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا﴾ [المزمل: ٥]، فَوَالَّذِي هُوَ أَكْرَمَهُ وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ الْكِتَابَ، مَا زَالَ يَضْحَكُ حَتَّى إِنِّي لَأَنْظُرُ إِلَى نَوَاجِذِهِ سُرُورًا، ثُمَّ مَسَحَ عَنْ وَجْهِهِ، فَقَالَ: «يَا عَائِشَةُ أَبْشِرِي، قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ عُذْرَكِ» قُلْتُ: بِحَمْدِ اللَّهِ، لَا بِحَمْدِكَ، وَلَا بِحَمْدِ أَصْحَابِكَ. قَالَ اللَّهُ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ﴾ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ. حَتَّى بَلَغَ: ﴿وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ﴾، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ حَلَفَ أَنْ لَا يَنْفَعَ مِسْطَحًا بِنَافِعَةٍ، وَكَانَ بَيْنَهُمَا رَحِمٌ، فَلَمَّا أُنْزِلَتْ: ﴿وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ﴾. حَتَّى بَلَغَ: ﴿وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [البقرة: ٢١٨] قَالَ أَبُو بَكْرٍ: بَلَى، أَيْ رَبِّ فَعَادَ إِلَى الَّذِي كَانَ لمِسْطَحٍ ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ﴾ [النور: ٢٣]. حَتَّى بَلَغَ: ﴿أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ﴾. قَالَتْ عَائِشَةُ: وَاللَّهِ مَا كُنْتُ أَرْجُو أَنْ يَنْزِلَ فِيَّ كِتَابٌ، وَلَا أَطْمَعُ بِهِ، وَلَكِنْ أَرْجُو أَنْ يَرَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رُؤْيَا تُذْهِبُ مَا فِي نَفْسِهِ. قَالَتْ: وَسَأَلَ الْجَارِيَةَ الْحَبَشِيَّةَ، فَقَالَتْ: وَاللَّهِ لَعَائِشَةُ أَطْيَبُ مِنْ طَيِّبِ الذَّهَبِ، وَمَا بِهَا عَيْبٌ إِلَّا أَنَّهَا تَرْقُدُ حَتَّى تَدْخُلَ الشَّاةُ فَتَأْكُلَ عَجِينَهَا، وَلَئِنْ كَانَتْ صَنَعَتْ مَا قَالَ النَّاسُ لَيُخْبِرَنَّكَ اللَّهُ قَالَ: فَعَجِبَ النَّاسُ مِنْ فِقْهِهَا "


الصفحة التالية
Icon