مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَكُمْ} [النور: ٢٩] فِي شَيْءٍ، وَذَلِكَ أَنَّ الَّتِي وَضَعَ اللَّهُ عَنَّا الْجُنَاحَ فِي دُخُولِهَا بِغَيْرِ إِذْنٍ مِنَ الْبُيُوتِ، هِيَ مَا لَمْ يَكُنْ مَسْكُونًا، إِذْ حَانُوتُ التَّاجِرِ لَا سَبِيلَ إِلَى دُخُولِهِ إِلَّا بِإِذْنِهِ، وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ مَسْكُونٌ، فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ مِمَّا عَنَى اللَّهُ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ بِمَعْزِلٍ. وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ التَّأْوِيلِ: هَذِهِ الْآيَةُ مُسْتَثْنَاةٌ مِنْ قَوْلِهِ: ﴿لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا﴾ [النور: ٢٧]
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: ﴿لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ﴾ [النور: ٢٧] ثُمَّ نَسَخَ وَاسْتَثْنَى فَقَالَ: ﴿لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَكُمْ﴾ [النور: ٢٩] "
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ، عَنِ الْحُسَيْنِ، عَنْ يَزِيدَ، عَنْ عِكْرِمَةَ: ﴿حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا﴾ [النور: ٢٧]. الْآيَةَ، فَنَسَخَ مِنْ ذَلِكَ، وَاسْتَثْنَى فَقَالَ: ﴿لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَكُمْ﴾ [النور: ٢٩] " وَلَيْسَ فِي قَوْلِهِ: ﴿لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَكُمْ﴾ [النور: ٢٩] دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ: ﴿لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا﴾ [النور: ٢٧] ؛ لِأَنَّ قَوْلُهُ: ﴿لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا﴾ [النور: ٢٧] حُكْمٌ مِنَ اللَّهِ فِي الْبُيُوتِ الَّتِي لَهَا سُكَّانٌ وَأَرْبَابٌ. وَقَوْلُهُ: ﴿لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَكُمْ﴾ [النور: ٢٩] حُكْمٌ مِنْهُ فِي -[٢٥٤]- الْبُيُوتِ الَّتِي لَا سُكَّانَ لَهَا وَلَا أَرْبَابَ مَعْرُوفُونَ، فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْحُكْمَيْنِ حُكِّمَ فِي مَعْنًى غَيْرِ مَعْنَى الْآخَرِ، وَإِنَّمَا يُسْتَثْنَى الشَّيْءُ مِنَ الشَّيْءِ إِذَا كَانَ مِنْ جِنْسِهِ أَوْ نَوْعِهِ فِي الْفِعْلِ أَوِ النَّفْسِ، فَأَمَّا إِذَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَلَا مَعْنَى لِاسْتِثْنَائِهِ مِنْهُ