ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ: " الْأَمْرُ عِنْدَنَا أَنْ لَيْسَ عَلَى سَيِّدِ الْعَبْدِ أَنْ يُكَاتِبَهُ إِذَا سَأَلَهُ ذَلِكَ، وَلَمْ أَسْمَعْ بِأَحَدٍ مِنَ الْأَئِمَّةِ أَكْرَهَ أَحَدًا عَلَى أَنْ يُكَاتِبَ عَبْدَهُ. وَقَدْ سَمِعْتُ بَعْضَ أَهْلِ الْعِلْمِ إِذَا سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ فَقِيلَ لَهُ: إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ فِي كِتَابِهِ: ﴿فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا﴾ [النور: ٣٣] يَتْلُو هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ ﴿وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا﴾ [المائدة: ٢]، ﴿فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ﴾ [الجمعة: ١٠] "، قَالَ مَالِكٌ: «فَإِنَّمَا ذَلِكَ أَمْرٌ أَذِنَ اللَّهُ فِيهِ لِلنَّاسِ، وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ عَلَى النَّاسِ وَلَا يَلْزَمُ أَحَدًا»
وَقَالَ الثَّوْرِيُّ: «إِذَا أَرَادَ الْعَبْدُ مِنْ سَيِّدِهِ أَنْ يُكَاتِبَهُ، فَإِنْ شَاءَ السَّيِّدُ أَنْ يُكَاتِبَهُ كَاتَبَهُ، وَلَا يُجْبَرُ السَّيِّدُ عَلَى ذَلِكَ»
حَدَّثَنِي بِذَلِكَ، عَلِيُّ، عَنْ زَيْدٍ، عَنْهُ؛ وَحَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا﴾ [النور: ٣٣] قَالَ: «لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَلَيْهِ أَنْ يُكَاتِبَهُ، إِنَّمَا هَذَا أَمْرٌ أَذِنَ اللَّهُ فِيهِ وَدَلِيلٌ» -[٢٧٨]- وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي بِالصَّوَابِ قَوْلُ مَنْ قَالَ: وَاجِبٌ عَلَى سَيِّدِ الْعَبْدِ أَنْ يُكَاتِبَهُ إِذَا عَلِمَ فِيهِ خَيْرًا، وَسَأَلَهُ الْعَبْدُ الْكِتَابَةَ؛ وَذَلِكَ أَنَّ ظَاهَرَ قَوْلُهُ: ﴿فَكَاتِبُوهُمْ﴾ [النور: ٣٣] ظَاهِرُ أَمْرٍ، وَأَمْرُ اللَّهِ فَرْضٌ الِانْتِهَاءُ إِلَيْهِ، مَا لَمْ يَكُنْ دَلِيلٌ مِنْ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ عَلَى أَنَّهُ نَدْبٌ، لِمَا قَدْ بَيَّنَّا مِنَ الْعِلَّةِ فِي كِتَابِنَا الْمُسَمَّى: الْبَيَانُ عَنْ أُصُولِ الْأَحْكَامِ. وَأَمَّا الْخَيْرُ الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ عِبَادَهُ بِكِتَابَةِ عَبِيدِهِمْ إِذَا عَلِمُوهُ فِيهِمْ، فَهُوَ الْقُدْرَةُ عَلَى الِاحْتِرَافِ وَالْكَسْبِ لِأَدَاءِ مَا كُوتِبُوا عَلَيْهِ


الصفحة التالية
Icon