ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَفَاتِحَهُ﴾ [النور: ٦١] يَعْنِي: «بَيْتَ أَحَدِهِمْ، فَإِنَّهُ يَمْلِكُهُ، وَالْعَبِيدُ مِنْهُمْ مِمَّا مَلَكُوا»
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَفَاتِحَهُ﴾ [النور: ٦١] «مِمَّا تُحِبُّونَ يَا ابْنَ آدَمَ»
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: ﴿أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَفَاتِحَهُ﴾ [النور: ٦١] قَالَ: «خَزَائِنُ لِأَنْفُسِهِمْ، لَيْسَتْ لِغَيْرِهِمْ» وَأَشْبَهُ الْأَقْوَالِ الَّتِي ذَكَرْنَا فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: ﴿لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ﴾ [النور: ٦١]. إِلَى قَوْلِهِ: ﴿أَوْ صَدِيقِكُمْ﴾ [النور: ٦١] الْقَوْلُ الَّذِي ذَكَرْنَا عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَذَلِكَ أَنَّ أَظْهَرَ مَعَانِي قَوْلُهُ: ﴿لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ -[٣٧٢]- حَرَجٌ﴾ [النور: ٦١] أَنَّهُ لَا حَرَجَ عَلَى هَؤُلَاءِ الَّذِينَ سُمُّوا فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَنْ يَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِ مَنْ ذَكَرَهُ اللَّهُ فِيهَا، عَلَى مَا أَبَاحَ لَهُمْ مِنَ الْأَكْلِ مِنْهَا. فَإِذْ كَانَ ذَلِكَ أَظْهَرَ مَعَانِيهِ، فَتَوْجِيهُ مَعْنَاهُ إِلَى الْأَغْلَبِ الْأَعْرَفِ مِنْ مَعَانِيهِ أَوْلَى مِنْ تَوْجِيهِهِ إِلَى الْأَنْكَرِ مِنْهَا. فَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، كَانَ مَا خَالَفَ مِنَ التَّأْوِيلِ قَوْلُ مَنْ قَالَ: مَعْنَاهُ: لَيْسَ فِي الْأَعْمَى وَالْأَعْرَجِ حَرَجٌ، أَوْلَى بِالصَّوَابِ. وَكَذَلِكَ أَيْضًا الْأَغْلَبُ مِنْ تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: ﴿وَلَا عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ﴾ [النور: ٦١] أَنَّهُ بِمَعْنَى: وَلَا عَلَيْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ. ثُمَّ جَمَعَ هَؤُلَاءِ وَالزَّمْنَى الَّذِينَ ذَكَرَهُمْ قَبْلُ فِي الْخِطَابِ، فَقَالَ: أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِ أَنْفُسِكُمْ. وَكَذَلِكَ تَفْعَلُ الْعَرَبُ إِذَا جَمَعَتْ بَيْنَ خَبَرِ الْغَائِبِ وَالْمُخَاطَبِ، غَلَّبَتِ الْمُخَاطَبَ فَقَالَتْ: أَنْتَ وَأَخُوكَ قُمْتُمَا، وَأَنْتَ وَزَيْدٌ جَلَسْتُمَا، وَلَا تَقُولُ: أَنْتَ وَأَخُوكَ جَلَسَا، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿وَلَا عَلَى أَنْفُسِكُمْ﴾ [النور: ٦١] وَالْخَبَرُ عَنِ الْأَعْمَى وَالْأَعْرَجِ وَالْمَرِيضِ، غَلَّبَ الْمُخَاطَبَ، فَقَالَ: أَنْ تَأْكُلُوا، وَلَمْ يَقُلْ: أَنْ يَأْكُلُوا. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَهَذَا الْأَكْلُ مِنْ بُيُوتِهِمْ قَدْ عَلِمْنَاهُ كَانَ لَهُمْ حَلَالًا إِذْ كَانَ مِلْكًا لَهُمْ، أَوْ كَانَ أَيْضًا حَلَالًا لَهُمُ الْأَكْلُ مِنْ مَالِ غَيْرِهِمْ؟ -[٣٧٣]- قِيلَ لَهُ: لَيْسَ الْأَمْرُ فِي ذَلِكَ عَلَى مَا تَوَهَّمْتَ؛ وَلَكِنَّهُ كَمَا ذَكَرْنَاهُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا غَابُوا فِي مَغَازِيهِمْ وَتَخَلَّفَ أَهْلُ الزَّمَانَةِ مِنْهُمْ، دَفَعَ الْغَازِي مِفْتَاحَ مَسْكَنِهِ إِلَى الْمُتَخَلِّفِ مِنْهُمْ، فَأَطْلَقَ لَهُ فِي الْأَكْلِ مِمَّا يُخَلِّفُ فِي مَنْزِلِهِ مِنَ الطَّعَامِ، فَكَانَ الْمُتَخَلِّفُونَ يَتَخَوَّفُونَ الْأَكْلَ مِنْ ذَلِكَ، وَرَبُّهُ غَائِبٌ، فَأَعْلَمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ لَا حَرَجَ عَلَيْهِ فِي الْأَكْلِ مِنْهُ، وَأَذِنَ لَهُمْ فِي أَكْلِهِ. فَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ تَبَيَّنَ أَنْ لَا مَعْنَى لِقَوْلِ مَنْ قَالَ: إِنَّمَا أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ مِنْ أَجْلِ كَرَاهَةِ الْمُسْتَتْبِعِ أَكْلَ طَعَامِ غَيْرِ الْمُسْتَتْبَعِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَوْ كَانَ كَمَا قَالَ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: لَقِيلَ: لَيْسَ عَلَيْكُمْ حَرَجٌ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ طَعَامِ غَيْرِ مَنْ أَضَافَكُمْ، أَوْ مِنْ طَعَامِ آبَاءِ مَنْ دَعَاكُمْ، وَلَمْ يَقُلْ: أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ. وَكَذَلِكَ لَا وَجْهَ لِقَوْلِ مَنْ قَالَ: مَعْنَى ذَلِكَ: لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ فِي التَّخَلُّفِ عَنِ الْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، لِأَنَّ قَوْلُهُ: ﴿أَنْ تَأْكُلُوا﴾ [النور: ٦١] خَبَرُ «لَيْسَ» وَ «أَنَّ» فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلَى أَنَّهَا خَبَرٌ لَهَا، فَهِيَ مُتَعَلِّقَةٌ بِـ «لَيْسَ» فَمَعْلُومٌ بِذَلِكَ أَنَّ مَعْنَى الْكَلَامِ: لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ بَيْتِهِ، وَلَا مَا قَالَهُ الَّذِينَ ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّهُ لَا حَرَجَ عَلَيْهِ فِي التَّخَلُّفِ عَنِ الْجِهَادِ. فَإِذْ كَانَ الْأَمْرُ فِي ذَلِكَ عَلَى مَا وَصَفْنَا، تَبَيَّنَ أَنَّ مَعْنَى الْكَلَامِ: لَا ضِيقَ -[٣٧٤]- عَلَى الْأَعْمَى، وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ، وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ، وَلَا عَلَيْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ، أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِ أَنْفُسِكُمْ أَوْ مِنْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ، أَوْ مِنْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ، أَوْ مِنْ بُيُوتِ إِخْوَانِكُمْ، أَوْ مِنْ بُيُوتِ أَخَوَاتِكُمْ، أَوْ مِنْ بُيُوتِ أَعْمَامِكُمْ، أَوْ مِنْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ، أَوْ مِنْ بُيُوتِ أَخْوَالِكُمْ، أَوْ مِنْ بُيُوتِ خَالَاتِكُمْ، أَوْ مِنَ الْبُيُوتِ الَّتِي مَلَكْتُمْ مَفَاتِحَهَا، أَوْ مِنْ بُيُوتِ صَدِيقِكُمْ، إِذَا أَذِنُوا لَكُمْ فِي ذَلِكَ، عِنْدَ مَغِيبِهِمْ وَمَشْهَدِهِمْ. وَالْمَفَاتِحُ: الْخَزَائِنُ، وَاحِدُهَا: مَفْتَحٌ، إِذَا أُرِيدَ بِهِ الْمَصْدَرُ، وَإِذَا كَانَ مِنَ الْمَفَاتِيحِ الَّتِي يُفْتَحُ بِهَا، فَهِيَ مِفْتَحٌ وَمَفَاتِحُ؛ وَهِيَ هَاهُنَا عَلَى التَّأْوِيلِ الَّذِي اخْتَرْنَاهُ جَمْعُ مِفْتَحٍ الَّذِي يُفْتَحُ بِهِ. وَكَانَ قَتَادَةُ يَتَأَوَّلُ فِي قَوْلِهِ: ﴿أَوْ صَدِيقِكُمْ﴾ [النور: ٦١]