ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ: ﴿قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ قَالَ: «مَا يُسِرُّ أَهْلُ الْأَرْضِ وَأَهْلُ السَّمَاءِ»
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ لَوْلَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا﴾ [الفرقان: ٨] ذُكِرَ أَنَّ هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ نَزَلَتَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا كَانَ مُشْرِكُو قَوْمِهِ قَالُوا لَهُ لَيْلَةَ اجْتِمَاعِ أَشْرَافِهِمْ بِظَهْرِ الْكَعْبَةِ، وَعَرَضُوا عَلَيْهِ أَشْيَاءَ، وَسَأَلُوهُ الْآيَاتِ فَكَانَ فِيمَا كَلَّمُوهُ بِهِ حِينَئِذٍ
فِيمَا حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: ثني مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي مُحَمَّدٍ مَوْلَى زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، أَوْ عِكْرِمَةَ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُمْ قَالُوا لَهُ: فَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ لَنَا هَذَا يَعْنِي مَا سَأَلُوهُ مِنْ تَسْيِيرِ جِبَالِهِمْ عَنْهُمْ، وَإِحْيَاءِ آبَائِهِمْ، وَالْمَجِيءِ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا، وَمَا ذَكَرَهُ اللَّهُ فِي سُورَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ فَخُذْ لِنَفْسِكَ، سَلْ رَبَّكَ يَبْعَثْ مَعَكَ مَلَكًا يُصَدِّقُكَ بِمَا تَقُولُ، وَيُرَاجِعُنَا عَنْكَ، وَسَلْهُ فَيُجْعَلْ لَكَ قُصُورًا، وَجِنَانًا، وَكُنُوزًا مِنْ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ، تُغْنِيكَ عَمَّا نَرَاكَ تَبْتَغِي، فَإِنَّكَ تَقُومُ بِالْأَسْوَاقِ، وَتَلْتَمِسُ الْمَعَاشَ كَمَا -[٤٠٣]- نَلْتَمِسُهُ، حَتَّى نَعْلَمَ فَضْلَكَ، وَمَنْزِلَتَكَ مِنْ رَبِّكَ إِنْ كُنْتَ رَسُولًا كَمَا تَزْعُمُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا أَنَا بِفَاعِلٍ» فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِي قَوْلِهِمْ: أَنْ خُذْ لِنَفْسِكَ مَا سَأَلُوهُ أَنْ يَأْخُذَ لَهَا: أَنْ يَجْعَلَ لَهُ جِنَانًا وَقُصُورًا وَكُنُوزًا، أَوْ يَبْعَثَ مَعَهُ مَلَكًا يُصَدِّقُهُ بِمَا يَقُولُ، وَيَرُدُّ عَنْهُ مَنْ خَاصَمَهُ. ﴿وَقَالُوا مَا لِهَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ لَوْلَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا﴾ " فَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ: وَقَالَ الْمُشْرِكُونَ ﴿مَا لِهَذَا الرَّسُولِ﴾ يَعْنُونَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّ اللَّهَ بَعَثَهُ إِلَيْنَا، ﴿يَأْكُلُ الطَّعَامَ﴾ [الفرقان: ٧] كَمَا نَأْكُلُ، ﴿وَيَمْشِي﴾ [الفرقان: ٧] فِي أَسْوَاقِنَا كَمَا نَمْشِي. ﴿لَوْلَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ﴾ [الفرقان: ٧] يَقُولُ: هَلَّا أُنْزِلَ إِلَيْهِ ﴿مَلَكٌ﴾ [الفرقان: ٧] إِنْ كَانَ صَادِقًا مِنَ السَّمَاءِ، ﴿فَيَكُونَ مَعَهُ﴾ [الفرقان: ٧] مُنْذِرًا لِلنَّاسٍ، مُصَدِّقًا لَهُ عَلَى مَا يَقُولُ، أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنْزٌ مِنْ فِضَّةٍ أَوْ ذَهَبٍ، فَلَا يَحْتَاجُ مَعَهُ إِلَى التَّصَرُّفِ فِي طَلَبِ الْمَعَاشِ، ﴿أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ﴾ [الفرقان: ٨] يَقُولُ: أَوْ يَكُونُ لَهُ بُسْتَانٌ ﴿يَأْكُلُ مِنْهَا﴾ [الفرقان: ٨]. وَاخْتَلَفَ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ، فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْمَدِينَةِ وَالْبَصْرَةِ وَبَعْضُ الْكُوفِيِّينَ: ﴿يَأْكُلُ﴾ [الفرقان: ٧] بِالْيَاءِ، بِمَعْنَى: يَأْكُلُ مِنْهَا الرَّسُولُ. -[٤٠٤]- وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْكُوفِيِّينَ: (نَأْكُلُ مِنْهَا) بِالنُّونِ، بِمَعْنَى: نَأْكُلُ مِنَ الْجَنَّةِ. وَأَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي بِالصَّوَابِ قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَهُ بِالْيَاءِ؛ وَذَلِكَ لِلْخَبَرِ الَّذِي ذَكَرْنَا قَبْلُ بِأَنَّ مَسْأَلَةَ مَنْ سَأَلَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَسْأَلَ رَبَّهُ هَذِهِ الْخِلَالَ لِنَفْسِهِ لَا لَهُمْ؛ فَإِذْ كَانَتْ مَسْأَلَتُهُمْ إِيَّاهُ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَغَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يَقُولُوا لَهُ: سَلْ لِنَفْسِكَ ذَلِكَ لِنَأْكُلَ نَحْنُ. وَبَعْدُ، فَإِنَّ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿تَبَارَكَ الَّذِي إِنْ شَاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْرًا مِنْ ذَلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ﴾ [الفرقان: ١٠] دَلِيلًا بَيِّنًا عَلَى أَنَّهُمْ إِنَّمَا قَالُوا لَهُ: اطْلُبْ ذَلِكَ لِنَفْسِكَ، لَتَأْكُلَ أَنْتَ مِنْهُ، لَا نَحْنُ


الصفحة التالية
Icon