الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قُلْ أَذَلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ كَانَتْ لَهُمْ جَزَاءً وَمَصِيرًا لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ خَالِدِينَ كَانَ عَلَى رَبِّكَ وَعْدًا مَسْئُولًا﴾ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: قُلْ يَا مُحَمَّدُ لِهَؤُلَاءِ الْمُكَذِّبِينَ بِالسَّاعَةِ: أَهَذِهِ النَّارُ الَّتِي وَصَفَ لَكُمْ رَبُّكُمْ صِفَتَهَا وَصِفَةَ أَهْلِهَا خَيْرٌ، أَمْ بُسْتَانُ الْخُلْدِ الَّذِي يَدُومُ نَعِيمُهُ وَلَا يَبِيدُ، الَّذِي وَعَدَ مَنِ اتَّقَاهُ فِي الدُّنْيَا بِطَاعَتِهِ فِيمَا أَمَرَهُ وَنَهَاهُ؟
وَقَوْلُهُ: ﴿كَانَتْ لَهُمْ جَزَاءً وَمَصِيرًا﴾ [الفرقان: ١٥] يَقُولُ: كَانَتْ جَنَّةُ الْخُلْدِ لِلْمُتَّقِينَ جَزَاءَ أَعْمَالِهِمْ لِلَّهِ فِي الدُّنْيَا بِطَاعَتِهِ، وَثَوَابَ تَقْوَاهُمْ إِيَّاهُ، وَمَصِيرًا لَهُمْ، يَقُولُ: وَمَصِيرًا لِلْمُتَّقِينَ، يَصِيرُونَ إِلَيْهَا فِي الْآخِرَةِ. وَقَوْلُهُ: ﴿لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ﴾ يَقُولُ: لِهَؤُلَاءِ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّةِ الْخُلْدِ الَّتِي وَعَدَهُمُوهَا اللَّهُ، مَا يَشَاءُونَ مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ. خَالِدِينَ فِيهَا، يَقُولُ: لَابِثِينَ فِيهَا، مَاكِثِينَ أَبَدًا، لَا يَزُولُونَ عَنْهَا، وَلَا يَزُولُ عَنْهُمْ نَعِيمُهَا. وَقَوْلُهُ: ﴿كَانَ عَلَى رَبِّكَ وَعْدًا مَسْئُولًا﴾ وَذَلِكَ أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ سَأَلُوا رَبَّهُمْ ذَلِكَ فِي الدُّنْيَا حِينَ قَالُوا: ﴿آتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ﴾ [آل عمران: ١٩٤]، يَقُولُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: كَانَ إِعْطَاءُ اللَّهِ الْمُؤْمِنِينَ جَنَّةَ الْخُلْدِ الَّتِي وَصَفَ صِفَتَهَا فِي الْآخِرَةِ، وَعْدًا وَعَدَهُمُ اللَّهُ عَلَى طَاعَتِهِمْ إِيَّاهُ فِي الدُّنْيَا، وَمَسْأَلَتِهِمْ إِيَّاهُ ذَلِكَ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ