حَدَّثَنِي عَلِيُّ، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَكَانُوا قَوْمًا بُورًا﴾ [الفرقان: ١٨] يَقُولُ: هَلْكَى "
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَكَانُوا قَوْمًا بُورًا﴾ [الفرقان: ١٨] يَقُولُ: هَلْكَى "
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الْحَسَنِ: ﴿وَكَانُوا قَوْمًا بُورًا﴾ [الفرقان: ١٨] قَالَ: هُمُ الَّذِينَ لَا خَيْرَ فِيهِمْ "
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَكَانُوا قَوْمًا بُورًا﴾ [الفرقان: ١٨] قَالَ: يَقُولُ: لَيْسَ مِنَ الْخَيْرِ فِي شَيْءٍ. الْبُورُ: الَّذِي لَيْسَ فِيهِ مِنَ الْخَيْرِ شَيْءٌ " وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: ﴿مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاءَ﴾ [الفرقان: ١٨] فَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْأَمْصَارِ: ﴿ «نَتَّخِذَ» [الأنبياء: ١٧] بِفَتْحِ النُّونِ؛ سِوَى الْحَسَنِ وَيَزِيدَ بْنِ الْقَعْقَاعِ، فَإِنَّهُمَا قَرَآهُ: (أَن نُتَّخَذَ) بِضَمِّ النُّونِ. فَذَهَبَ الَّذِينَ فَتَحُوهَا إِلَى الْمَعْنَى الَّذِي بَيَّنَّاهُ فِي تَأْوِيلِهِ، مِنْ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ وَعِيسَى وَمَنْ عُبِدَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ هُمُ الَّذِينَ تَبَرَّءُوا أَنْ يَكُونَ كَانَ لَهُمْ وَلِيُّ غَيْرُ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ. وَأَمَّا الَّذِينَ -[٤١٨]- قَرَءُوا ذَلِكَ بِضَمِّ النُّونِ، فَإِنَّهُمْ وَجَّهُوا مَعْنَى الْكَلَامِ إِلَى أَنَّ الْمَعْبُودِينَ فِي الدُّنْيَا إِنَّمَا تَبَرَّءُوا إِلَى اللَّهِ أَنْ يَكُونَ كَانَ لَهُمْ أَنْ يَعْبُدُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ، كَمَا أَخْبَرَ اللَّهُ عَنْ عِيسَى أَنَّهُ قَالَ إِذَا قِيلَ ﴿أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ﴾ [المائدة: ١١٦]، ﴿مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ﴾ [المائدة: ١١٧]. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي بِالصَّوَابِ قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَهُ بِفَتْحِ النُّونِ، لِعِلَلٍ ثَلَاثٍ: إِحْدَاهُنَّ إِجْمَاعٌ مِنَ الْقُرَّاءِ عَلَيْهَا. وَالثَّانِيَةُ: أَنَّ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ ذَكَرَ نَظِيرَ هَذِهِ الْقِصَّةِ فِي سُورَةِ سَبَأٍ، فَقَالَ: ﴿وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ أَهَؤُلَاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ﴾ [سبأ: ٤١]، فَأَخْبَرَ عَنِ الْمَلَائِكَةِ، أَنَّهُمْ إِذَا سُئِلُوا عَنْ عِبَادَةِ مَنْ عَبَدَهُمْ تَبَرَّءُوا إِلَى اللَّهِ مِنْ وَلَايَتِهِمْ، فَقَالُوا لِرَبِّهِمْ: ﴿أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ﴾ [سبأ: ٤١]، فَذَلِكَ يُوَضِّحُ عَنْ صِحَّةِ قِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَ ذَلِكَ: ﴿مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاءَ﴾ [الفرقان: ١٨] بِمَعْنَى: مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَّخِذَهُمْ مِنْ دُونِكَ أَوْلِيَاءَ. وَالثَّالِثَةُ: أَنَّ الْعَرَبَ لَا تُدْخِلُ (مِنْ) هَذِهِ الَّتِي تَدْخُلُ فِي الْجَحْدِ إِلَّا فِي الْأَسْمَاءِ، وَلَا تَدْخُلُهَا فِي الْأَخْبَارِ، لَا يَقُولُونَ: مَا رَأَيْتُ أَخَاكَ مِنْ رَجُلٍ، وَإِنَّمَا يَقُولُونَ: مَا رَأَيْتُ مِنَ أَحَدٍ، وَمَا عِنْدِي مِنْ رَجُلٍ؛ وَقَدْ دَخَلَتْ هَاهُنَا فِي الْأَوْلِيَاءِ وَهِيَ فِي مَوْضِعِ الْخَبَرِ، وَلَوْ لَمْ تَكُنْ فِيهَا (مِنْ)، كَانَ وَجْهًا حَسَنًا. وَأَمَّا الْبُورُ: فَمَصْدَرٌ وَاحِدٌ، وَجَمْعٌ لِلْبَائِرِ، يُقَالُ: أَصْبَحَتْ مَنَازِلُهُمْ بُورًا: أَيْ خَالِيَةً لَا شَيْءَ فِيهَا، وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: بَارَتِ السُّوقُ وَبَارَ الطَّعَامُ: إِذَا خَلَا مِنَ الطُّلَّابِ، -[٤١٩]- وَالْمُشْتَرِي، فَلَمْ يَكُنْ لَهُ طَالِبٌ، فَصَارَ كَالشَّيْءِ الْهَالِكِ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ ابْنِ الزِّبَعْرَى:
[البحر الخفيف]

يَا رَسُولَ الْمَلِيكِ إِنَّ لِسَانِي رَاتِقٌ مَا فَتَقْتُ إِذْ أَنَا بُورُ
وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ بُورَ: مَصْدَرٌ، كَالْعَدْلِ وَالزُّورِ وَالْقَطْعِ، لَا يُثَنَّى، وَلَا يُجْمَعُ، وَلَا يُؤَنَّثُ. وَإِنَّمَا أُرِيدَ بِالْبُورِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ أَنَّ أَعْمَالَ هَؤُلَاءِ الْكُفَّارِ كَانَتْ بَاطِلَةً لِأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ لِلَّهِ، كَمَا ذَكَرْنَا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ


الصفحة التالية
Icon