لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ} [الفرقان: ٢٠] صِلَةٌ لِـ «مَنْ» الْمَتْرُوكِ، كَمَا يُقَالُ فِي الْكَلَامِ: مَا أَرْسَلْتُ إِلَيْكَ مِنَ النَّاسِ إِلَّا مَنْ إِنَّهُ لَيُبَلِّغُكَ الرِّسَالَةَ، فَإِنَّهُ (لَيُبَلِّغُكَ الرِّسَالَةَ) صِلَةٌ لِـ «مَنْ» وَقَوْلُهُ: ﴿وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً﴾ [الفرقان: ٢٠] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَامْتَحَنَّا أَيُّهَا النَّاسُ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ، جَعَلْنَا هَذَا نَبِيًّا، وَخَصَصْنَاهُ بِالرِّسَالَةِ، وَهَذَا مَلِكًا، وَخَصَصْنَاهُ بِالدُّنْيَا، وَهَذَا فَقِيرًا وَحَرَمْنَاهُ الدُّنْيَا، لِنَخْتَبِرَ الْفَقِيرَ بِصَبْرِهِ عَلَى مَا حُرِمَ مِمَّا أُعْطِيَهُ الْغَنِيُّ، وَالْمَلِكَ بِصَبْرِهِ عَلَى مَا أُعْطِيَهُ الرَّسُولُ مِنَ الْكَرَامَةِ، وَكَيْفَ رَضِيَ كُلُّ إِنْسَانٍ مِنْهُمْ بِمَا أُعْطِيَ وَقُسِمَ لَهُ، وَطَاعَتُهُ رَبَّهُ مَعَ مَا حُرِمَ مِمَّا أُعْطِيَ غَيْرُهُ. يَقُولُ: فَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ لَمْ أُعْطِ مُحَمَّدًا الدُّنْيَا، وَجَعَلْتُهُ يَطْلُبُ الْمَعَاشَ فِي الْأَسْوَاقِ، وَلِأَبْتَلِيَكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ، وَأَخْتَبِرَ طَاعَتَكُمْ رَبَّكُمْ، وَإِجَابَتَكُمْ رَسُولَهُ إِلَى مَا دَعَاكُمْ إِلَيْهِ، بِغَيْرِ عَرَضٍ مِنَ الدُّنْيَا تَرْجُونَهُ مِنْ مُحَمَّدٍ أَنْ يُعْطِيَكُمْ عَلَى اتِّبَاعِكُمْ إِيَّاهُ؛ لِأَنِّي لَوْ أَعْطَيْتُهُ الدُّنْيَا، لَسَارَعَ كَثِيرٌ مِنْكُمْ إِلَى اتِّبَاعِهِ طَمَعًا فِي دُنْيَاهُ أَنْ يَنَالَ مِنْهَا. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ أَبِي رَجَاءٍ، قَالَ: ثني عَبْدُ الْقُدُّوسِ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً﴾ [الفرقان: ٢٠]. الْآيَةَ، يَقُولُ هَذَا الْأَعْمَى: لَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَنِي بَصِيرًا مِثْلَ فُلَانٍ، وَيَقُولُ هَذَا الْفَقِيرُ: لَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَنِي غَنِيًّا مِثْلَ فُلَانٍ، وَيَقُولُ هَذَا السَّقِيمُ: لَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَنِي صَحِيحًا مِثْلَ فُلَانٍ "