حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ شُرَيْحٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، فِي هَذِهِ الْآيَةِ: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا﴾ [الفرقان: ٦٧]. الْآيَةَ، قَالَ: «كَانُوا لَا يَلْبَسُونَ ثَوْبًا لِلْجَمَالِ، وَلَا يَأْكُلُونَ طَعَامًا لِلَّذَةِ، وَلَكِنْ كَانُوا يُرِيدُونَ مِنَ اللِّبَاسِ مَا يَسْتُرُونَ بِهِ عَوْرَتَهُمْ، وَيَكْتَنُّونَ بِهِ مِنَ الْحَرِّ وَالْقُرِّ، وَيُرِيدُونَ مِنَ الطَّعَامِ مَا سَدَّ عَنْهُمُ الْجُوعَ، وَقَوَّاهُمْ عَلَى عِبَادَةِ رَبِّهِمْ»
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا حَكَّامٌ، عَنْ عَنْبَسَةَ، عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الْكَرِيمِ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ مُرَّةَ الْجُعْفِيِّ، قَالَ: " الْعِلْمُ خَيْرٌ مِنَ الْعَمَلِ، وَالْحَسَنَةُ بَيْنَ السَّيِّئَتَيْنِ، يَعْنِي: ﴿إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا، وَلَمْ يَقْتُرُوا﴾ [الفرقان: ٦٧]، وَخَيْرُ الْأَعْمَالِ أَوْسَاطُهَا "
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثنا كَعْبُ بْنُ فَرُّوخَ، قَالَ: ثنا قَتَادَةُ، عَنْ مُطَرِّفِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: «خَيْرُ هَذِهِ الْأُمُورِ أَوْسَاطُهَا، وَالْحَسَنَةُ بَيْنَ السَّيِّئَتَيْنِ». فَقُلْتُ لِقَتَادَةَ: مَا الْحَسَنَةُ بَيْنَ السَّيِّئَتَيْنِ؟ فَقَالَ: ﴿الَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا﴾ [الفرقان: ٦٧]. الْآيَةَ ". وَقَالَ آخَرُونَ: الْإِسْرَافُ هُوَ أَنْ تَأْكُلَ مَالَ غَيْرِكَ بِغَيْرِ حَقٍّ
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا سَالِمُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي مَعْدَانَ، قَالَ: -[٥٠١]- كُنْتُ عِنْدَ عَوْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، فَقَالَ: «لَيْسَ الْمُسْرِفُ مَنْ يَأْكُلُ مَالَهُ، إِنَّمَا الْمُسْرِفُ مَنْ يَأْكُلُ مَالَ غَيْرِهِ». قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ قَوْلُ مَنْ قَالَ: الْإِسْرَافُ فِي النَّفَقَةِ الَّذِي عَنَاهُ اللَّهُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ: مَا جَاوَزَ الْحَدَّ الَّذِي أَبَاحَهُ اللَّهُ لِعِبَادِهِ إِلَى مَا فَوْقُهُ، وَالْإِقْتَارُ: مَا قَصُرَ عَمَّا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ، وَالْقَوَامُ: بَيْنَ ذَلِكَ. وَإِنَّمَا قُلْنَا إِنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ، لِأَنَّ الْمُسْرِفَ وَالْمُقْتِرَ كَذَلِكَ؛ وَلَوْ كَانَ الْإِسْرَافُ وَالْإِقْتَارُ فِي النَّفَقَةِ مُرَخَّصًا فِيهِمَا مَا كَانَا مَذْمُومَيْنِ، وَلَا كَانَ الْمُسْرِفُ وَلَا الْمُقْتِرُ مَذْمُومًا، لِأَنَّ مَا أَذِنَ اللَّهُ فِي فِعْلِهِ فَغَيْرُ مُسْتَحِقٍّ فَاعِلُهُ الذَّمَّ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَهَلْ لِذَلِكَ مِنْ حَدٍّ مَعْرُوفٍ تُبَيِّنُهُ لَنَا؟ قِيلَ: نَعَمْ، ذَلِكَ مَفْهُومٌ فِي كُلِّ شَيْءٍ مِنَ الْمَطَاعِمِ وَالْمَشَارِبِ وَالْمَلَابِسِ وَالصَّدَقَةِ وَأَعْمَالِ الْبِرِّ وَغَيْرِ ذَلِكَ، نَكْرَهُ تَطْوِيلَ الْكِتَابِ بِذِكْرِ كُلِّ نَوْعٍ مِنْ ذَلِكَ مُفَصَّلًا، غَيْرَ أَنَّ جُمْلَةَ ذَلِكَ هُوَ مَا بَيَّنَّا، وَذَلِكَ نَحْوُ أَكْلِ آكُلٍ مِنَ الطَّعَامِ فَوْقَ الشِّبَعِ مَا يُضْعِفُ بَدَنَهُ، وَيَنْهَكَ قُوَاهُ، وَيَشْغَلُهُ عَنْ طَاعَةِ رَبِّهِ، وَأَدَاءِ فَرَائِضِهِ، فَذَلِكَ مِنَ السَّرَفِ، وَأَنْ يَتْرُكَ الْأَكْلَ وَلَهُ إِلَيْهِ سَبِيلٌ حَتَّى يُضْعِفَ ذَلِكَ جِسْمَهُ وَيَنْهَكَ قُوَاهُ، وَيُضْعِفَهُ عَنْ أَدَاءِ فَرَائِضِ رَبِّهِ، فَذَلِكَ مِنَ الْإِقْتَارِ، وَبَيْنَ ذَلِكَ الْقَوَامِ عَلَى هَذَا النَّحْوِ، كُلُّ مَا جَانَسَ مَا ذَكَرْنَا. فَأَمَّا اتِّخَاذُ الثَّوْبِ لِلْجَمَالِ، يَلْبَسُهُ عِنْدَ اجْتِمَاعِهِ مَعَ النَّاسِ، وَحُضُورِهِ الْمَحَافِلَ وَالْجُمَعَ وَالْأَعْيَادَ، دُونَ ثَوْبِ مِهْنَتِهِ، أَوْ أَكَلِهِ مِنَ الطَّعَامِ مَا قَوَّاهُ عَلَى عِبَادَةِ رَبِّهِ، مِمَّا -[٥٠٢]- ارْتَفَعَ عَمَّا قَدْ يَسُدُّ الْجُوعَ، مِمَّا هُوَ دُونَهُ مِنَ الْأَغْذِيَةِ، غَيْرَ أَنَّهُ لَا يُعِينُ الْبَدَنَ عَلَى الْقِيَامِ لِلَّهِ بِالْوَاجِبِ مَعُونَتَهُ، فَذَلِكَ خَارِجٌ عَنْ مَعْنَى الْإِسْرَافِ، بَلْ ذَلِكَ مِنَ الْقَوَامِ، لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَمَرَ بِبَعْضِ ذَلِكَ، وَحَضَّ عَلَى بَعْضِهِ، كَقَوْلِهِ: «مَا عَلَى أَحَدِكُمْ لَوِ اتَّخَذَ ثَوْبَيْنِ. ثَوْبًا لِمِهْنَتِهِ، وَثَوْبًا لِجُمُعَتِهِ وَعِيدِهِ» وَكَقَوْلِهِ: «إِذَا أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَى عَبْدٍ نِعْمَةً أَحَبَّ أَنْ يَرَى أَثَرَهُ عَلَيْهِ»، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنَ الْأَخْبَارِ الَّتِي قَدْ بَيَّنَّاهَا فِي مَوَاضِعِهَا