الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَإِنْ تُكَذِّبُوا فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ﴾ [العنكبوت: ١٨] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَإِنْ تُكَذِّبُوا أَيُّهَا النَّاسُ رَسُولَنَا مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا دَعَاكُمْ إِلَيْهِ مِنْ عِبَادَةِ رَبِّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَرَزَقَكُمْ، وَالْبَرَاءَةِ مِنَ الْأَوْثَانِ، فَقَدْ كَذَّبَتْ جَمَاعَاتٌ مِنْ قَبْلِكُمْ رُسُلَهَا فِيمَا دَعَتْهُمْ إِلَيْهِ الرُّسُلُ مِنَ الْحَقِّ، فَحَلَّ بِهَا مِنَ اللَّهِ سَخَطُهُ، وَنَزَلَ بِهَا مِنْهُ عَاجِلُ عُقُوبَتِهِ، فَسَبِيلُكُمْ سَبِيلُهَا فِيمَا هُوَ نَازِلٌ بِكُمْ بِتَكْذِيبِكُمْ إِيَّاهُ ﴿وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ﴾ [النور: ٥٤] يَقُولُ: وَمَا عَلَى مُحَمَّدٍ إِلَّا أَنْ يُبَلِّغَكُمْ عَنِ اللَّهِ رِسَالَتَهُ، وَيُؤَدِّي إِلَيْكُمْ مَا أَمَرَهُ بِأَدَائِهِ إِلَيْكُمْ رَبُّهُ. وَيَعْنِي بِالْبَلَاغِ الْمُبِينِ: الَّذِي يُبَيِّنُ لِمَنْ سَمِعَهُ مَا يُرَادُ بِهِ، وَيَفْهَمُ بِهِ مَا يَعْنِي بِهِ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ﴾ [العنكبوت: ١٩] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: أَوَ لَمْ يَرَوْا كَيْفَ يَسْتَأْنِفُ اللَّهُ خَلْقَ الْأَشْيَاءِ طِفْلًا صَغِيرًا، ثُمَّ غُلَامًا يَافِعًا، ثُمَّ رَجُلًا مُجْتَمِعًا، ثُمَّ كَهْلًا. يُقَالُ مِنْهُ: أَبْدَأَ وَأَعَادَ، وَبَدَأَ وَعَادَ، لُغَتَانِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ.
وَقَوْلُهُ: ﴿ثُمَّ يُعِيدُهُ﴾ [يونس: ٤] يَقُولُ: ثُمَّ هُوَ يُعِيدُهُ مِنْ بَعْدِ فَنَائِهِ وَبِلَاهُ، كَمَا بَدَأَهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ خَلْقًا جَدِيدًا، لَا يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ ذَلِكَ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.


الصفحة التالية
Icon