وَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْضُ الْكُوفِيِّينَ: ﴿مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ﴾ [العنكبوت: ٢٥] بِنَصْبِ الْمَوَدَّةِ، وَإِضَافَتِهَا إِلَى قَوْلِهِ ﴿بَيْنِكُمْ﴾ [البقرة: ١٨٨] وَخَفْضِ ﴿بَيْنِكُمْ﴾ [البقرة: ١٨٨]. وَكَأَنَّ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ قَرَءُوا قَوْلَهُ: ﴿مَوَدَّةَ﴾ [النساء: ٧٣] نَصْبًا وَجَّهُوا مَعْنَى الْكَلَامِ إِلَى: إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ أَيُّهَا الْقَوْمُ أَوْثَانًا مَوَدَّةً بَيْنَكُمْ، فَجَعَلُوا إِنَّمَا حَرْفًا وَاحِدًا، وَأَوْقَعُوا قَوْلَهُ ﴿اتَّخَذْتُمْ﴾ [البقرة: ٥١] عَلَى الْأَوْثَانِ، فَنَصَبُوهَا بِمَعْنَى: اتَّخَذْتُمُوهَا مَوَدَّةً بَيْنَكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، تَتَحَابُّونَ عَلَى عِبَادَتِهَا، وَتَتَوَادُّونَ عَلَى خِدْمَتِهَا، فَتَتَوَاصَلُونَ عَلَيْهَا. وَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْضُ قُرَّاءِ أَهْلِ مَكَّةَ وَالْبَصْرَةَ: (مَوَدَّةُ بَيْنِكُمْ) بِرَفْعِ الْمَوَدَّةِ، وَإِضَافَتِهَا إِلَى الْبَيْنِ، وَخَفْضِ الْبَيْنِ. وَكَأَنَّ الَّذِينَ قَرَءُوا ذَلِكَ كَذَلِكَ، جَعَلُوا إِنَّمَا حَرْفَيْنِ، بِتَأْوِيلِ: إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا إِنَّمَا هُوَ مَوَدَّتُكُمْ لِلدُّنْيَا، فَرَفَعُوا مَوَدَّةَ عَلَى خَبَرِ إِنَّ. وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونُوا عَلَى قِرَاءَتِهِمْ ذَلِكَ رَفْعًا بِقَوْلِهِ ﴿إِنَّمَا﴾ [البقرة: ١١] أَنْ تَكُونَ حَرْفًا وَاحِدًا، وَيَكُونَ الْخَبَرُ مُتَنَاهِيًا عِنْدَ قَوْلِهِ ﴿إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا﴾ [العنكبوت: ٢٥] ثُمَّ يَبْتَدِئُ الْخَبَرَ فَيُقَالُ: مَا مَوَدَّتُكُمْ تِلْكَ الْأَوْثَانَ بِنَافِعَتِكُمْ، إِنَّمَا مَوَدَّةُ بَيْنِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا، ثُمَّ هِيَ مُنْقَطِعَةٌ، وَإِذَا أُرِيدَ هَذَا الْمَعْنَى كَانَتِ الْمَوَدَّةُ مَرْفُوعَةً بِالصِّفَةِ بِقَوْلِهِ ﴿فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ [البقرة: ٨٥] وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونُوا أَرَادُوا بِرَفْعِ الْمَوَدَّةِ، رَفْعَهَا عَلَى ضَمِيرِ هِيَ. وَهَذِهِ الْقِرَاءَاتُ الثَّلَاثُ مُتَقَارِبَاتُ الْمَعَانِي، لِأَنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْأَوْثَانَ آلِهَةً يَعْبُدُونَهَا، اتَّخَذُوهَا مَوَدَّةً بَيْنَهُمْ، وَكَانَتْ لَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا مَوَدَّةً، ثُمَّ هِيَ عَنْهُمْ مُنْقَطِعَةٌ، فَبِأَيِّ ذَلِكَ قَرَأَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ، لِتَقَارُبِ مُعَانِي ذَلِكَ، وَشُهْرَةِ


الصفحة التالية