يَدَيْهِ فِي الطَّرِيقِ، وَخَافَ أَنْ يَكُونَ قَدْ مَكَرَ بِهِ، حَتَّى أَتَتْهُ عُيُونُهُ أَنْ لَيْسَ مَعَهُ إِلَّا خَمْسُونَ رَجُلًا، ثُمَّ بُسِطَ لَهُمَا، وَالْتَقَيَا فِي قُبَّةِ دِيبَاجٍ ضُرِبَتْ لَهُمَا، مَعَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا سِكِّينٌ، فَدَعَيَا تُرْجُمَانًا بَيْنَهُمَا، فَقَالَ شهربراز: إِنَّ الَّذِينَ خَرَّبُوا مَدَائِنَكَ أَنَا وَأَخِي، بِكَيْدِنَا وَشَجَاعَتِنَا، وَإِنَّ كِسْرَى حَسَدَنَا، فَأَرَادَ أَنْ أَقْتُلَ أَخِي، فَأَبَيْتُ، ثُمَّ أَمَرَ أَخِي أَنْ يَقْتُلَنِيَ، فَقَدْ خَلَعْنَاهُ جَمِيعًا، فَنَحْنُ نُقَاتِلُهُ مَعَكَ، فَقَالَ: قَدْ أَصَبْتُمَا، ثُمَّ أَشَارَ أَحَدُهُمَا إِلَى صَاحِبِهِ أَنَّ السِّرَّ بَيْنَ اثْنَيْنِ، فَإِذَا جَاوَزَ اثْنَيْنِ فَشَا. قَالَ: أَجَلْ، فَقَتَلَا التُّرْجُمَانَ جَمِيعًا بِسِكِّينَيْهِمَا، فَأَهْلَكَ اللَّهُ كِسْرَى، وَجَاءَ الْخَبَرُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ، فَفَرِحَ وَمَنْ مَعَهُ "
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿الم. غُلِبَتِ الرُّومُ﴾ [الروم: ٢] قَالَ: غَلَبَتْهُمْ فَارِسُ عَلَى أَدْنَى الشَّامِ ﴿وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ﴾ [الروم: ٣]، قَالَ: لَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ هَؤُلَاءِ الْآيَاتِ عَبَدَ الْمُسْلِمُونَ رَبَّهُمْ، وَعَلِمُوا أَنَّ الرُّومَ سَيَظْهَرُونَ عَلَى فَارِسَ، فَاقْتَمَرُوا هُمْ وَالْمُشْرِكُونَ خَمْسَ قَلَائِصَ، وَأَجَّلُوا بَيْنَهُمْ خَمْسَ سِنِينَ، فَوَلِيَ قِمَارُ الْمُسْلِمِينَ أَبُو بَكْرٍ، وَوَلِيَ قِمَارَ الْمُشْرِكِينَ أُبَيُّ بْنُ خَلَفٍ، وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَنْهَى عَنِ الْقِمَارِ، فَحَلَّ الْأَجَلُ، وَلَمْ يَظْهَرِ الرُّومُ عَلَى فَارِسَ، وَسَأَلَ الْمُشْرِكُونَ قِمَارَهُمْ، فَذَكَرَ ذَلِكَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ -[٤٥٥]- لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «وَلَمْ تَكُونُوا أَحِقَّاءَ أَنْ تُؤَجِّلُوا دُونَ الْعَشْرِ، فَإِنَّ الْبِضْعَ مَا بَيْنَ الْعَشَرَةِ إِلَى الْعَشْرِ، وَزَايِدُوهُمْ فِي الْقِمَارِ، وَمَادُّوهُمْ فِي الْأَجَلِ»، فَفَعَلُوا ذَلِكَ، فَأَظْهَرَ اللَّهُ الرُّومَ عَلَى فَارِسَ عِنْدَ رَأْسِ الْبِضْعِ سِنِينَ مِنْ قِمَارِهِمُ الْأَوَّلِ، وَكَانَ ذَلِكَ مَرْجَعَهُ مِنَ الْحُدَيْبِيَةِ، فَفَرِحَ الْمُسْلِمُونَ بِصُلْحِهِمُ الَّذِي كَانَ، وَبِظُهُورِ أَهْلِ الْكِتَابِ عَلَى الْمَجُوسِ، وَكَانَ ذَلِكَ مِمَّا شَدَّدَ اللَّهُ بِهِ الْإِسْلَامَ، وَهُوَ قَوْلُهُ ﴿وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ﴾ [الروم: ٤] "