الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ﴾ [الروم: ٤٠] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِلْمُشْرِكِينَ بِهِ، مُعَرِّفَهُمْ قُبْحَ فِعْلِهِمْ، وَخُبْثَ صَنِيعِهِمُ: اللَّهُ أَيُّهَا الْقَوْمُ الَّذِي لَا تَصْلُحُ الْعِبَادَةُ إِلَّا لَهُ، وَلَا يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ لِغَيْرِهِ، هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَلَمْ تَكُونُوا شَيْئًا، ثُمَّ رَزَقَكُمْ وَخَوَّلَكُمْ، وَلَمْ تَكُونُوا تَمْلِكُونَ قَبْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ هُوَ يُمِيتُكُمْ مِنْ بَعْدِ أَنْ خَلَقَكُمْ أَحْيَاءً، ثُمَّ يُحْيِيكُمْ مِنْ بَعْدِ مَمَاتِكُمْ لِبَعْثِ الْقِيَامَةِ
كَمَا: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: " ﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ﴾ [الروم: ٤٠] لِلْبَعْثِ بَعْدَ الْمَوْتِ "
وَقَوْلُهُ: ﴿هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ﴾ [الروم: ٤٠] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: هَلْ مِنْ آلِهَتِكُمْ وَأَوْثَانِكُمُ الَّتِي تَجْعَلُونَهُمْ لِلَّهِ فِي عِبَادَتِكُمْ إِيَّاهُ شُرَكَاءَ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ، فَيَخْلُقُ أَوْ يَرْزُقُ، أَوْ يُمِيتُ، أَوْ يَنْشُرُ؛ وَهَذَا مِنَ اللَّهِ -[٥٠٩]- تَقْرِيعٌ لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ. وَإِنَّمَا مَعْنَى الْكَلَامِ أَنَّ شُرَكَاءَهُمْ لَا تَفْعَلُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، فَكَيْفَ لِعَبْدٍ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَفْعَلُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ؟ ثُمَّ بَرَّأَ نَفْسَهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ عَنِ الْفِرْيَةِ الَّتِي افْتَرَاهَا هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ عَلَيْهِ بِزَعْمِهِمْ أَنَّ آلِهَتَهُمْ لَهُ شُرَكَاءُ، فَقَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ ﴿سُبْحَانَهُ﴾ [البقرة: ١١٦] أَيْ: تَنْزِيهًا لِلَّهِ وَتَبْرِئَةً ﴿وَتَعَالَى﴾ [الأنعام: ١٠٠] يَقُولُ: وَعُلُوًّا لَهُ ﴿عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ [الأعراف: ١٩٠] يَقُولُ: عَنْ شِرْكِ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ بِهِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.