ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ شَرِيكٍ، عَنْ خُصَيْفٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، " ﴿أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ﴾ [السجدة: ٧] قَالَ: أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ، قَالَ: الْإِنْسَانُ إِلَى الْإِنْسَانِ، وَالْفَرَسُ لِلْفَرَسِ، وَالْحِمَارُ لِلْحِمَارِ ". وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ، الْخَلْقُ وَالْكُلُّ مَنْصُوبَانِ بِوُقُوعِ أَحْسَنَ عَلَيْهِمَا. وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي بِالصَّوَابِ عَلَى قِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَهُ ﴿الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ﴾ [السجدة: ٧] بِفَتْحِ اللَّامِ، قَوْلُ مَنْ قَالَ: مَعْنَاهُ أَحْكَمَ وَأَتْقَنَ، لِأَنَّهُ لَا مَعْنَى لِذَلِكَ إِذْ قُرِئَ كَذَلِكَ إِلَّا أَحَدُ وَجْهَيْنِ: إِمَّا هَذَا الَّذِي قُلْنَا مِنْ مَعْنَى الْإِحْكَامِ وَالْإِتْقَانِ، أَوْ مَعْنَى التَّحْسِينِ الَّذِي هُوَ فِي مَعْنَى الْجَمَالِ وَالْحُسْنِ؛ فَلَمَّا كَانَ فِي خَلْقِهِ مَا لَا يُشَكُّ فِي قُبْحِهِ وَسَمَاجَتِهِ، عُلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَعْنِ بِهِ أَنَّهُ أَحْسَنَ كُلَّ مَا خَلَقَ، وَلَكِنَّ مَعْنَاهُ أَنَّهُ أَحْكَمَهُ وَأَتْقَنَ صَنْعَتَهُ، وَأَمَّا عَلَى الْقِرَاءَةِ الْأُخْرَى الَّتِي هِيَ بِتَسْكِينِ اللَّامِ، فَإِنَّ أَوْلَى تَأْوِيلَاتِهِ بِهِ قَوْلُ مَنْ قَالَ: مَعْنَى ذَلِكَ أَعْلَمَ وَأَلْهَمَ كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ، هُوَ أَحْسَنَهُمْ، كَمَا قَالَ ﴿الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى﴾ [طه: ٥٠] لِأَنَّ ذَلِكَ أَظْهَرُ مَعَانِيِهِ. وَأَمَّا الَّذِي وَجَّهَ تَأْوِيلَ ذَلِكَ إِلَى أَنَّهُ بِمَعْنَى: الَّذِي أَحْسَنَ خَلْقَ كُلِّ شَيْءٍ، فَإِنَّهُ -[٦٠٠]- جَعَلَ الْخَلْقَ نَصَبًا بِمَعْنَى التَّفْسِيرِ، كَأَنَّهُ قَالَ: الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلْقًا مِنْهُ. وَقَدْ كَانَ بَعْضُهُمْ يَقُولُ: هُوَ مِنَ الْمُقَدَّمِ الَّذِي مَعْنَاهُ التَّأْخِيرُ، وَيُوَجِّهُهُ إِلَى أَنَّهُ نَظِيرُ قَوْلِ الشَّاعِرِ:
[البحر الطويل]
وَظَعْنِي إِلَيْكِ اللَّيْلَ حِضْنَيْهِ إِنَّنِي | لِتِلْكَ إِذَا هَابَ الْهِدَانُ فَعُولُ |
[البحر البسيط]
كَأَنَّ هِنْدًا ثَنَايَاهَا وَبَهْجَتَهَا | يَوْمَ الْتَقَيْنَا عَلَى أَدْحَالِ دَبَّابِ |