حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي قَالَ: ثني عَمِّي قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: قَوْلُهُ " ﴿تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ﴾ [السجدة: ١٦]، إِلَى آخِرِ الْآيَةِ يَقُولُ: تَتَجَافَى لِذِكْرِ اللَّهِ، كُلَّمَا اسْتَيْقَظُوا ذَكَرُوا اللَّهَ، إِمَّا فِي الصَّلَاةِ، وَإِمَّا فِي قِيَامٍ، أَوْ فِي قُعُودٍ، أَوْ عَلَى جُنُوبِهِمْ، فَهُمْ لَا يَزَالُونَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ ". وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ اللَّهَ وَصَفَ هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ بِأَنَّ جُنُوبَهُمْ تَنْبُو عَنْ مَضَاجِعِهِمْ، شُغْلًا مِنْهُمْ بِدُعَاءِ رَبِّهِمْ وَعِبَادَتِهِ خَوْفًا وَطَمَعًا، وَذَلِكَ نُبُوُّ جُنُوبِهِمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ لَيْلًا، لِأَنَّ الْمَعْرُوفَ مِنْ وَصْفِ الْوَاصِفِ رَجُلًا بِأَنَّ جَنْبَهُ نَبَا عَنْ مَضْجَعِهِ، إِنَّمَا هُوَ وَصْفٌ مِنْهُ لَهُ بِأَنَّهُ جَفَا عَنِ النَّوْمِ فِي وَقْتِ مَنَامِ النَّاسِ الْمَعْرُوفِ، وَذَلِكَ اللَّيْلُ دُونَ النَّهَارِ، وَكَذَلِكَ تَصِفُ الْعَرَبُ الرَّجُلَ إِذَا وَصَفَتْهُ بِذَلِكَ، يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَوَاحَةَ الْأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي صِفَةِ نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
[البحر الطويل]

يَبِيتُ يُجَافِي جَنْبَهُ عَنْ فِرَاشِهِ إِذَا اسْتَثْقَلَتْ بِالْمُشْرِكِينَ الْمَضَاجِعُ
فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، وَكَانَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لَمْ يُخَصِّصْ فِي وَصْفِهِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ بِالَّذِي وَصَفَهُمْ بِهِ مِنْ جَفَاءِ جُنُوبِهِمْ عَنْ مَضَاجِعِهِمْ مِنْ أَحْوَالِ اللَّيْلِ وَأَوْقَاتِهِ حَالًا وَوَقْتًا دُونَ حَالٍ وَوَقْتٍ، كَانَ وَاجِبًا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ عَلَى كُلِّ آنَاءِ اللَّيْلِ وَأَوْقَاتِهِ، -[٦١٤]- وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ مَنْ صَلَّى مَا بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ، أَوِ انْتَظَرَ الْعِشَاءَ الْآخِرَةَ، أَوْ قَامَ اللَّيْلَ أَوْ بَعْضَهُ، أَوْ ذَكَرَ اللَّهَ فِي سَاعَاتِ اللَّيْلِ، أَوْ صَلَّى الْعَتَمَةَ مِمَّنْ دَخَلَ فِي ظَاهِرِ قَوْلِهِ: ﴿تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ﴾ [السجدة: ١٦] لِأَنَّ جَنْبَهُ قَدْ جَفَا عَنْ مَضْجَعِهِ فِي الْحَالِ الَّتِي قَامَ فِيهَا لِلصَّلَاةِ قَائِمًا صَلَّى أَوْ ذَكَرَ اللَّهَ، أَوْ قَاعِدًا بَعْدَ أَنْ لَا يَكُونَ مُضْطَجِعًا، وَهُوَ عَلَى الْقِيَامِ أَوْ الْقُعُودِ قَادِرٌ، غَيْرَ أَنَّ الْأَمْرَ وَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ، فَإِنَّ تَوْجِيهَ الْكَلَامِ إِلَى أَنَّهُ مَعْنِيُّ بِهِ قِيَامُ اللَّيْلِ أَعْجَبُ إِلَيَّ، لِأَنَّ ذَلِكَ أَظْهَرُ مَعَانِيهِ، وَالْأَغْلَبُ عَلَى ظَاهِرِ الْكَلَامِ، وَبِهِ جَاءَ الْخَبَرُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَذَلِكَ مَا:


الصفحة التالية
Icon