: (عَلَّامِ الْغَيْبِ) عَلَى مِثَالِ فَعَّالِ، وَبِالْخَفْضِ رَدًّا لِإِعْرَابِهِ عَلَى أَعْرَابِ قَوْلِهِ ﴿وَرَبِّي﴾ [يونس: ٥٣] إِذْ كَانَ مِنْ نَعَتِهِ وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا، أَنَّ كُلَّ هَذِهِ الْقِرَاءَاتِ الثَّلَاثِ، قِرَاءَاتٌ مَشْهُورَاتٌ فِي قُرَّاءِ الْأَمْصَارِ مُتَقَارِبَاتُ الْمَعَانِي، فَبِأَيَّتِهِنَّ قَرَأَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ؛ غَيْرَ أَنَّ أَعْجَبَ الْقِرَاءَاتِ فِي ذَلِكَ إِلَيَّ أَنْ أَقْرَأَ بِهَا: (عَلَّامِ الْغَيْبِ) عَلَى الْقِرَاءَةِ الَّتِي ذَكَرْتُهَا عَنْ عَامَّةِ قُرَّاءِ أَهْلِ الْكُوفَةِ؛ فَأَمَّا اخْتِيَارُ عَلَّامِ عَلَى عَالِمِ، فَلِأَنَّهَا أَبْلَغُ فِي الْمَدْحِ وَأَمَّا الْخَفْضُ فِيهَا فَلِأَنَّهَا مِنْ نَعْتِ الرَّبِّ، وَهُوَ فِي مَوْضِعِ الْجَرِّ وَعَنَى بِقَوْلِهِ: عَلَّامِ الْغَيْبِ: عَلَّامَ مَا يَغِيبُ عَنْ أَبْصَارِ الْخَلْقِ، فَلَا يَرَاهُ أَحَدٌ، إِمَّا مَا لَمْ يُكَوِّنْهُ مِمَّا سَيُكَوِّنُهُ، أَوْ مَا قَدْ كَوَّنَهُ فَلَمْ يُطْلِعْ عَلَيْهِ أَحَدًا غَيْرَهُ. وَإِنَّمَا وَصَفَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ نَفْسَهُ بِعِلْمِهِ الْغَيْبَ، إِعْلَامًا مِنْهُ خَلْقَهُ أَنَّ السَّاعَةَ لَا يَعْلَمُ وَقْتَ مَجِيئِهَا أَحَدٌ سِوَاهُ، وَإِنْ كَانَتْ جَائِيَةً، فَقَالَ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ: بَلَى وَرَبِّكُمْ لَتَأْتِيَنَّكُمُ السَّاعَةُ، وَلَكِنَّهُ لَا يَعْلَمُ وَقْتَ مَجِيئِهَا أَحَدٌ سِوَى عَلَّامِ الْغُيُوبِ، الَّذِي لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿لَا يَعْزُبُ عَنْهُ﴾ [سبأ: ٣] لَا يَغِيبُ عَنْهُ، وَلَكِنَّهُ ظَاهَرٌ لَهُ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ


الصفحة التالية
Icon