حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: ﴿ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ﴾ [فاطر: ٣٢] قَالَ: " هُمْ أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ ﴿وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ﴾ [فاطر: ٣٢] قَالَ: «أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ» ﴿وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ﴾ [فاطر: ٣٢] قَالَ: «فَهُمُ السَّابِقُونَ مِنَ النَّاسِ كُلِّهُمْ»
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ﴾ [فاطر: ٣٢] قَالَ: " سَقَطَ هَذَا ﴿وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ﴾ [فاطر: ٣٢] قَالَ: سَبَقَ هَذَا بِالْخَيْرَاتِ، وَهَذَا مُقْتَصِدٌ عَلَى أَثْرِهِ " وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ تَأْوِيلُ مَنْ قَالَ: عَنَى بِقَوْلِهِ: ﴿ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا﴾ [فاطر: ٣٢] الْكُتُبُ الَّتِي أُنْزِلَتْ مِنْ قَبْلِ الْفُرْقَانِ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: وَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مَعْنَاهُ، وَأَمَةُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَتْلُونَ غَيْرَ كِتَابِهِمْ، وَلَا يَعْمَلُونَ إِلَّا بِمَا فِيهِ مِنَ الْأَحْكَامِ وَالشَّرَائِعِ؟ قِيلَ: إِنَّ مَعْنَى ذَلِكَ عَلَى غَيْرِ الَّذِي ذَهَبْتُ إِلَيْهِ، وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْإِيمَانَ بِالْكِتَابِ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا، فَمِنْهُمْ مُؤْمِنُونَ بِكُلِّ كِتَابٍ أَنْزَلَهُ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ قَبْلَ كِتَابِهِمْ وَعَامِلُونَ بِهِ، -[٣٧٤]- لِأَنَّ كُلَّ كِتَابٍ أُنْزِلَ مِنَ السَّمَاءِ قَبْلَ الْفُرْقَانِ، فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْعَمَلِ بِالْفُرْقَانِ عِنْدَ نُزُولِهِ، وَبِاتِّبَاعِ مَنْ جَاءِ بِهِ، وَذَلِكَ عَمَلُ مَنْ أَقَرَّ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَبِمَا جَاءَ بِهِ، وَعَمِلَ بِمَا دَعَاهُ إِلَيْهِ بِمَا فِي الْقُرْآنِ، وَبِمَا فِي غَيْرِهِ مِنَ الْكُتُبِ الَّتِي أُنْزِلَتْ قَبْلَهُ وَإِنَّمَا قِيلَ: عَنَى بِقَوْلِهِ ﴿ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ﴾ [فاطر: ٣٢] الْكُتُبَ الَّتِي ذَكَرْنَا لِأَنَّ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ قَالَ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ﴿وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ﴾ [فاطر: ٣١] ثُمَّ أَتْبَعَ ذَلِكَ قَوْلَهُ ﴿ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا﴾ [فاطر: ٣٢] فَكَانَ مَعْلُومًا، إِذْ كَانَ مَعْنَى الْمِيرَاثِ إِنَّمَا هُوَ انْتِقَالُ مَعْنًى مِنْ قَوْمٍ إِلَى آخَرِينَ، وَلَمْ تَكُنْ أُمَّةٌ عَلَى عَهْدِ نَبِيِّنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْتَقَلَ إِلَيْهِمْ كِتَابٌ مِنْ قَوْمٍ كَانُوا قَبْلَهُمْ غَيْرَ أُمَّتِهِ، أَنَّ ذَلِكَ مَعْنَاهُ وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَبَيَّنَ أَنَّ الْمُصْطَفِينَ مِنْ عِبَادِهِ هُمْ مُؤْمِنُو أُمَّتِهِ؛ وَأَمَّا الظَّالِمُ لِنَفْسِهِ، فَإِنَّهُ لِأَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الذُّنُوبِ وَالْمَعَاصِي الَّتِي هِيَ دُونَ النِّفَاقِ وَالشِّرْكِ عِنْدِي أَشْبَهُ بِمَعْنَى الْآيَةِ مِنْ أَنْ يَكُونَ الْمُنَافِقَ أَوِ الْكَافِرَ، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ أَتْبَعَ هَذِهِ الْآيَةَ قَوْلَهُ: ﴿جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا﴾ [فاطر: ٣٣] فَعَمَّ بِدُخُولِ الْجَنَّةِ جَمِيعَ الْأَصْنَافِ الثَّلَاثَةِ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَإِنَّ قَوْلَهُ ﴿يَدْخُلُونَهَا﴾ [فاطر: ٣٣] إِنَّمَا عَنَى بِهِ الْمُقْتَصِدَ وَالسَّابِقَ؛ قِيلَ لَهُ: وَمَا بُرْهَانُكَ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ مِنْ خَبَرٍ أَوْ عَقْلٍ؟ فَإِنْ قَالَ: قِيَامُ الْحُجَّةِ أَنَّ الظَّالِمَ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ سَيَدْخُلُ النَّارَ، وَلَوْ لَمْ يَدْخُلِ النَّارَ مِنْ هَذِهِ الْأَصْنَافِ الثَّلَاثَةِ أَحَدٌ وَجَبَ أَنْ لَا يَكُونَ لِأَهْلِ الْإِيمَانِ وَعِيدٌ؛ قِيلَ: إِنَّهُ لَيْسَ فِي الْآيَةِ خَبَرٌ -[٣٧٥]- أَنَّهُمْ لَا يَدْخُلُونَ النَّارَ، وَإِنَّمَا فِيهَا إِخْبَارٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ أَنَّهُمْ يَدْخُلُونَ جَنَّاتِ عَدْنٍ، وَجَائِزٌ أَنْ يَدْخُلَهَا الظَّالِمُ لِنَفْسِهِ بَعْدَ عُقُوبَةِ اللَّهِ إِيَّاهُ عَلَى ذُنُوبِهِ الَّتِي أَصَابَهَا فِي الدُّنْيَا، وَظُلْمِهِ نَفْسَهُ فِيهَا بِالنَّارِ، أَوْ بِمَا شَاءَ مِنْ عِقَابِهِ، ثُمَّ يُدْخِلُهُ الْجَنَّةَ، فَيَكُونُ مِمَّنْ عَمَّهُ خَبَرُ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ ﴿جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا﴾ [فاطر: ٣٣] وَقَدْ رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ أَخْبَارٌ، وَإِنْ كَانَ فِي أَسَانِيدِهَا نَظَرٌ، مَعَ دَلِيلِ الْكِتَابِ عَلَى صِحَّتِهِ عَلَى النَّحْوِ الَّذِي بَيَّنْتُ