قَالَ عَمْرُو بْنُ عَوْفٍ: فَكُنْتُ أَنَا وَسَلْمَانُ وَحُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ وَالنُّعْمَانُ بْنُ مُقَرِّنٍ الْمُزَنِيُّ، وَسِتَّةٌ مِنَ الْأَنْصَارِ، فِي أَرْبَعِينَ ذِرَاعًا، فَحَفَرْنَا تَحْتَ دُوبَارٍ حَتَّى بَلَغْنَا الصَّرَى أَخْرَجَ اللَّهُ مِنْ بَطْنِ الْخَنْدَقِ صَخْرَةً بَيْضَاءَ مُرُوهُ، فَكَسَرَتْ حَدِيدَنَا، وَشَقَّتْ عَلَيْنَا، فَقُلْنَا: يَا سَلْمَانُ، ارْقَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبِرْهُ خَبَرَ هَذِهِ الصَّخْرَةِ، فَإِمَّا أَنْ نَعْدِلَ عَنْهَا، فَإِنَّ الْمَعْدَلَ قَرِيبٌ، وَإِمَّا أَنْ يَأْمُرَنَا فِيهَا بِأَمْرِهِ، فَإِنَّا لَا نُحِبُّ أَنْ نُجَاوِزَ خَطَّهُ، فَرَقِيَ سَلْمَانُ حَتَّى أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ ضَارِبٌ عَلَيْهِ قُبَّةً تُرْكِيَّةً، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، بِأَبِينَا أَنْتَ وَأُمِّنَّا، خَرَجَتْ صَخْرَةٌ بَيْضَاءُ مِنْ بَطْنِ الْخَنْدَقِ مُرُوهُ، فَكَسَرَتْ حَدِيدَنَا، وَشَقَّتْ عَلَيْنَا، حَتَّى مَا يَجِيءُ مِنْهَا قَلِيلٌ وَلَا كَثِيرٌ، فَمُرْنَا فِيهَا بِأَمْرِكَ، فَإِنَّا لَا نُحِبُّ أَنْ نُجَاوِزَ خَطَّكَ، فَهَبَطَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ سَلْمَانَ فِي الْخَنْدَقِ، وَرَقَيْنَا نَحْنُ التِّسْعَةُ عَلَى شَفَةِ -[٤١]- الْخَنْدَقِ، فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمِعْوَلَ مِنْ سَلْمَانَ، فَضَرَبَ الصَّخْرَةَ ضَرْبَةً صَدَعَهَا، وَبَرَقَتْ مِنْهَا بَرْقَةٌ أَضَاءَتْ مَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا، يَعْنِي: لَابَتَيِ الْمَدِينَةِ، حَتَّى لَكَأَنَّ مِصْبَاحًا فِي جَوْفِ بَيْتٍ مُظْلِمٍ، فَكَبَّرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَكْبِيرَ فَتْحٍ، وَكَبَّرَ الْمُسْلِمُونَ. ثُمَّ ضَرَبَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الثَّانِيَةَ، فَصَدَعَهَا وَبَرَقَتْ مِنْهَا بَرْقَةٌ أَضَاءَتْ مَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا، حَتَّى لَكَأَنَّ مِصْبَاحًا فِي جَوْفِ بَيْتٍ مُظْلِمٍ، فَكَبَّرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَكْبِيرَ فَتْحٍ، وَكَبَّرَ الْمُسْلِمُونِ، ثُمَّ ضَرَبَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الثَّالِثَةَ، فَكَسَرَهَا، وَبَرَقَتْ مِنْهَا بَرْقَةٌ أَضَاءَتْ مَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا، حَتَّى لَكَأَنَّ مِصْبَاحًا فِي جَوْفِ بَيْتٍ مُظْلِمٍ، فَكَبَّرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَكْبِيرَ فَتْحٍ، ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِ سَلْمَانَ فَرَقِيَ، فَقَالَ سَلْمَانُ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَقَدْ رَأَيْتُ شَيْئًا مَا رَأَيْتُهُ قَطُّ، فَالْتَفَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْقَوْمِ، فَقَالَ: «هَلْ رَأَيْتُمْ مَا يَقُولُ سَلْمَانُ؟» قَالُوا: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، بِأَبِينَا أَنْتَ وَأُمِّنَّا وَقَدْ رَأَيْنَاكَ تَضْرِبُ فَيَخْرُجُ بَرْقٌ كَالْمَوْجِ فَرَأَيْنَاكَ تُكَبِّرُ فَنُكَبِّرُ، وَلَا نَرَى شَيْئًا غَيْرَ ذَلِكَ، قَالَ: «صَدَقْتُمْ، ضَرَبْتُ ضَرْبَتِي الْأُولَى فَبَرَقَ الَّذِي رَأَيْتُمْ أَضَاءَ لِي مِنْهُ قُصُورُ الْحِيرَةِ وَمَدَائِنُ كِسْرَى، كَأَنَّهَا أَنْيَابُ الْكِلَابِ، فَأَخْبَرَنِي جِبْرَائِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّ أُمَّتِي ظَاهِرَةٌ عَلَيْهَا، ثُمَّ ضَرَبْتُ ضَرْبَتِي الثَّانِيَةَ، فَبَرَقَ الَّذِي رَأَيْتُمْ، أَضَاءَ لِي مِنْهُ قُصُورُ الْحُمُرِ مِنْ أَرْضِ الرُّومِ، كَأَنَّهَا أَنْيَابُ الْكِلَابِ وَأَخْبَرَنِي جِبْرَائِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّ أُمَّتِي ظَاهِرَةٌ عَلَيْهَا، ثُمَّ ضَرَبْتُ ضَرْبَتِي الثَّالِثَةَ وَبَرَقَ مِنْهَا الَّذِي رَأَيْتُمْ، أَضَاءَتْ لِي مِنْهَا قُصُورُ صَنْعَاءَ، كَأَنَّهَا أَنْيَابُ الْكِلَابِ، وَأَخْبَرَنِي جِبْرَائِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّ أُمَّتِي ظَاهِرَةٌ عَلَيْهَا، فَأَبْشِرُوا، يُبَلِّغُهُمُ النَّصْرَ، وَأَبْشِرُوا يُبَلِّغُهُمُ النَّصْرَ، وَأَبْشِرُوا يُبَلِّغُهُمُ النَّصْرَ». فَاسْتَبْشَرَ الْمُسْلِمُونَ، وَقَالُوا: الْحَمْدُ لِلَّهِ مَوْعُودُ صِدْقٍ، بِأَنْ وَعَدَنَا النَّصْرَ بَعْدَ الْحَصْرِ، -[٤٢]- فَطُبِّقَتِ الْأَحْزَابُ، فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ ﴿هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ﴾ [الأحزاب: ٢٢]. الْآيَةَ، وَقَالَ الْمُنَافِقُونَ: أَلَا تَعْجَبُونَ؟ يُحَدِّثُكُمْ وَيُمَنِّيكُمْ وَيَعِدُكُمُ الْبَاطِلَ، يُخْبِرَكُمْ أَنَّهُ يُبْصِرُ مِنْ يَثْرِبَ قُصُورَ الْحِيرَةِ وَمَدَائِنَ كِسْرَى، وَأَنَّهَا تُفْتَحُ لَكُمْ، وَأَنْتُمْ تَحْفُرُونَ الْخَنْدَقَ مِنَ الْفَرَقِ وَلَا تَسْتَطِيعُونَ أَنْ تَبَرَّزُوا؟ وَأُنْزِلَ الْقُرْآنُ ﴿وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا﴾ [الأحزاب: ١٢]