أَنْطَاكِيَّةَ، فَبَادُوا عَنْ وَجْهِ الْأَرْضِ، فَلَمْ تَبْقَ مِنْهُمْ بَاقِيَةٌ " وَهَذَا الْقَوْلُ الثَّانِي أَوْلَى الْقَوْلَيْنِ بِتَأْوِيلِ الْآيَةِ، وَذَلِكَ أَنَّ الرِّسَالَةَ لَا يُقَالُ لَهَا جُنْدٌ إِلَّا أَنْ يَكُونَ أَرَادَ مُجَاهِدٌ بِذَلِكَ الرُّسُلَ، فَيَكُونُ وَجْهًا، وَإِنْ كَانَ أَيْضًا مِنَ الْمَفْهُومِ بِظَاهِرِ الْآيَةِ بَعِيدًا، وَذَلِكَ أَنَّ الرُّسُلَ مِنْ بَنِي آدَمَ لَا يَنْزِلُونَ مِنَ السَّمَاءِ، وَالْخَبَرُ فِي ظَاهَرِ هَذِهِ الْآيَةِ عَنْ أَنَّهُ لَمْ يُنْزِلْ مِنَ السَّمَاءِ بَعْدَ مَهْلَكِ هَذَا الْمُؤْمِنِ عَلَى قَوْمِهِ جُنْدًا وَذَلِكَ بِالْمَلَائِكَةِ أَشْبَهُ مِنْهُ بِبَنِي آدَمَ
وَقَوْلُهُ: ﴿إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ﴾ [يس: ٢٩] يَقُولُ: مَا كَانَتْ هَلَكَتُهُمْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً أَنْزَلَهَا اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ عَلَيْهِمْ وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ، فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْأَمْصَارِ ﴿إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً﴾ [يس: ٢٩] نَصْبًا عَلَى التَّأْوِيلِ الَّذِي ذَكَرْتُ، وَأَنَّ فِي كَانَتْ مُضْمَرًا وَذُكِرَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الْمَدَنِيِّ أَنَّهُ قَرَأَهُ: (إِلَّا صَيْحَةٌ وَاحِدَةً) رَفْعًا عَلَى أَنَّهَا مَرْفُوعَةٌ بِكَانَ، وَلَا مُضْمَرَ فِي كَانَ وَالصَّوَابُ مِنَ الْقِرَاءَةِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي النَّصْبُ لِإِجْمَاعِ الْحُجَّةِ عَلَى ذَلِكَ، وَعَلَى أَنَّ فِيَ كَانَتْ مُضْمَرًا
وَقَوْلُهُ: ﴿فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ﴾ [يس: ٢٩] يَقُولُ: فَإِذَا هُمْ هَالِكُونَ
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهُمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ﴾ -[٤٢٩]- يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: يَا حَسْرَةً مِنَ الْعِبَادِ عَلَى أَنْفُسِهَا وَتَنَدُّمًا وَتَلَهُّفًا فِي اسْتِهْزَائِهِمْ بِرُسُلِ اللَّهِ ﴿مَا يَأْتِيهُمْ مِنْ رَسُولٍ﴾ [يس: ٣٠] مِنَ اللَّهِ ﴿إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ﴾ وَذُكِرَ أَنَّ ذَلِكَ فِي بَعْضِ الْقِرَاءَاتِ: «يَا حَسْرَةَ الْعِبَادِ عَلَى أَنْفُسِهَا» وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ