حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ، قَالَ: ثنا ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنِ ابْنِ أَبَى نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ ﴿وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ﴾ [الصافات: ١٠٧] قَالَ: " الَّذِي فُدِيَ بِهِ إِسْمَاعِيلُ، وَيَعْنِي تَعَالَى ذِكْرَهُ الْكَبْشَ الَّذِي فُدِيَ بِهِ إِسْحَاقُ، وَالْعَرَبُ تَقُولُ لِكُلِّ مَا أُعِدَّ لِلذَّبْحِ: ذِبْحٌ، وَأَمَّا الذَّبْحُ بِفَتْحِ الذَّالِ فَهُوَ الْفِعْلُ " قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ بِالصَّوَابِ فِي الْمُفْدَى مِنَ ابْنَيْ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلِ الرَّحْمَنِ عَلَى ظَاهِرِ التَّنْزِيلِ قَوْلُ مَنْ قَالَ: هُوَ إِسْحَاقُ، لِأَنَّ اللَّهُ قَالَ: ﴿وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ﴾ [الصافات: ١٠٧] فَذَكَرَ أَنَّهُ فَدَى الْغُلَامَ الْحَلِيمَ الَّذِي بُشِّرَ بِهِ إِبْرَاهِيمُ حِينَ سَأَلَهُ أَنْ يَهَبَ لَهُ وَلَدًا صَالِحًا مِنَ الصَّالِحِينَ، فَقَالَ: ﴿رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ﴾ [الصافات: ١٠٠] فَإِذْ كَانَ الْمُفْدَى بِالذَّبْحِ مِنَ ابْنَيْهِ هُوَ الْمُبَشَّرُ بِهِ، وَكَانَ اللَّهُ تَبَارَكَ اسْمُهُ قَدْ بَيَّنَ فِي كِتَابِهِ أَنَّ الَّذِيَ بُشِّرَ بِهِ هُوَ إِسْحَاقُ، وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ، فَقَالَ -[٥٩٩]- جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ﴾ وَكَانَ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ مِنَ الْقُرْآنِ ذُكِرَ تَبْشِيرُهُ إِيَّاهُ بِوَلَدٍ، فَإِنَّمَا هُوَ مَعْنِيٌّ بِهِ إِسْحَاقَ، كَانَ بَيِّنًا أَنَّ تَبْشِيرَهُ إِيَّاهُ بِقَوْلِهِ: ﴿فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ﴾ [الصافات: ١٠١] فِي هَذَا الْمَوْضِعِ نَحْوَ سَائِرِ أَخْبَارِهِ فِي غَيْرِهِ مِنْ آيَاتِ الْقُرْآنِ وَبَعْدُ: فَإِنَّ اللَّهَ أَخْبَرَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ عَنْ خَلِيلِهِ أَنَّهُ بَشَّرَهُ بِالْغُلَامِ الْحَلِيمِ عَنْ مَسْأَلَتِهِ إِيَّاهُ أَنْ يَهَبَ لَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَمْ يَسْأَلْهُ ذَلِكَ إِلَّا فِي حَالٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ فِيهِ وَلَدٌ مِنَ الصَّالِحِينَ، لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ مِنَ ابْنَيْهِ إِلَّا إِمَامُ الصَّالِحِينَ، وَغَيْرُ مَوْهُومٍ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ سَأَلَ رَبَّهُ فِي هِبَةِ مَا قَدْ كَانَ أَعْطَاهُ وَوَهَبَهُ لَهُ فَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَمَعْلُومٌ أَنَّ الَّذِيَ ذَكَرَ تَعَالَى ذِكْرُهُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ هُوَ الَّذِي ذَكَرَ فِي سَائِرِ الْقُرْآنِ أَنَّهُ بَشَّرَهُ بِهِ وَذَلِكَ لَا شَكَّ أَنَّهُ إِسْحَاقُ، إِذْ كَانَ الْمُفْدَى هُوَ الْمُبَشَّرُ بِهِ. وَأَمَّا الَّذِي اعْتَلَّ بِهِ مَنِ اعْتَلَّ فِي أَنَّهُ إِسْمَاعِيلُ، أَنَّ اللَّهَ قَدْ كَانَ وَعَدَ إِبْرَاهِيمَ أَنْ يَكُونَ لَهُ مِنْ إِسْحَاقَ ابْنُ ابْنٍ، فَلَمْ يَكُنْ جَائِزًا أَنْ يَأْمُرَهُ بِذَبْحِهِ مَعَ الْوَعْدِ الَّذِي قَدْ تَقَدَّمَ؛ فَإِنَّ اللَّهَ إِنَّمَا أَمَرَهُ بِذَبْحِهِ بَعْدَ أَنْ بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ، وَتِلْكَ حَالٌ غَيْرَ مُمْكِنٍ أَنْ يَكُونَ قَدْ وُلِدَ لِإِسْحَاقَ فِيهَا أَوْلَادٌ، فَكَيْفَ الْوَاحِدُ؟ وَأَمَّا اعْتِلَالُ مَنِ اعْتَلَّ بِأَنَ اللَّهَ أَتْبَعَ قِصَّةَ الْمُفْدَى مِنْ وَلَدِ إِبْرَاهِيمَ بِقَوْلِهِ -[٦٠٠]-: ﴿وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا﴾ وَلَوْ كَانَ الْمُفْدَى هُوَ إِسْحَاقُ لَمْ يُبَشَّرْ بِهِ بَعْدُ، وَقَدْ وُلِدَ وَبَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ، فَإِنَّ الْبِشَارَةَ بِنُبُوَّةِ إِسْحَاقَ مِنَ اللَّهِ فِيمَا جَاءَتْ بِهِ الْأَخْبَارُ جَاءَتْ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ بَعْدَ أَنْ فُدِيَ تَكْرِمَةً مِنَ اللَّهِ لَهُ عَلَى صَبْرِهِ لِأَمْرِ رَبِّهِ فِيمَا امْتَحَنَهُ بِهِ مِنَ الذَّبْحِ، وَقَدْ تَقَدَّمَتِ الرِّوَايَةُ قَبْلُ عَمَّنْ قَالَ ذَلِكَ وَأَمَّا اعْتِلَالُ مَنِ اعْتَلَّ بِأَنَّ قَرْنَ الْكَبْشِ كَانَ مُعَلَّقًا فِي الْكَعْبَةِ فَغَيْرُ مُسْتَحِيلٍ أَنْ يَكُونَ حُمِلَ مِنَ الشَّامِ إِلَى مَكَّةَ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ إِبْرَاهِيمَ إِنَّمَا أُمِرَ بِذِبْحِ ابْنِهِ إِسْحَاقَ بِالشَّامِ، وَبِهَا أَرَادَ ذَبَحَهُ وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي الذَّبْحِ الَّذِي فُدِيَ بِهِ إِسْحَاقُ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: كَانَ كَبْشًا