حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: " فِي قَوْلِهِ: ﴿وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ﴾ [البقرة: ٧٥] الْآيَةُ، قَالَ: لَيْسَ قَوْلُهُ: ﴿يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ﴾ [البقرة: ٧٥] يَسْمَعُونَ التَّوْرَاةَ، كُلُّهُمْ قَدْ سَمِعَهَا؛ وَلَكِنَّهُمُ الَّذِينَ سَأَلُوا مُوسَى رُؤْيَةَ رَبِّهِمْ، فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ فِيهَا "
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: " بَلَغَنِي عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّهُمْ قَالُوا لِمُوسَى: يَا مُوسَى قَدْ حِيلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ رُؤْيَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَأَسْمِعْنَا كَلَامَهُ حِينَ يُكَلِّمُكَ. فَطَلَبَ ذَلِكَ مُوسَى إِلَى رَبِّهِ، فَقَالَ: نَعَمْ، فَمُرْهُمْ فَلْيَتَطَهَّرُوا وَلِيُطَهِّرُوا ثِيَابَهُمْ وَيَصُومُوا. فَفَعَلُوا، ثُمَّ خَرَجَ بِهِمْ حَتَّى أَتَى الطُّورَ، فَلَمَّا غَشِيَهُمُ الْغَمَامُ أَمَرَهُمْ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَوَقَعُوا سُجُودًا، وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ فَسَمِعُوا كَلَامَهُ يَأْمُرُهُمْ وَيَنْهَاهُمْ، حَتَّى عَقَلُوا مَا سَمِعُوا، ثُمَّ انْصَرَفَ بِهِمْ إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَلَمَّا جَاءُوهُمْ حَرَّفَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ مَا أَمَرَهُمْ بِهِ، وَقَالُوا حِينَ قَالَ مُوسَى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ: إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَمَرَكُمْ بِكَذَا وَكَذَا، قَالَ ذَلِكَ الْفَرِيقُ الَّذِي ذَكَرَهُمُ اللَّهُ: إِنَّمَا قَالَ كَذَا وَكَذَا خِلَافًا لِمَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُمْ. فَهُمُ الَّذِينَ عَنَى اللَّهُ لِرَسُولِهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " وَأَوْلَى التَّأْوِيلَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرْتُ بِالْآيَةِ وَأَشْبَهُهُمَا بِمَا دَلَّ عَلَيْهِ ظَاهِرُ التِّلَاوَةِ، مَا قَالَهُ الرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ وَالَّذِي حَكَاهُ ابْنُ إِسْحَاقَ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ، مِنْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى -[١٤٣]- ذِكْرُهُ إِنَّمَا عَنَى بِذَلِكَ مَنْ سَمِعَ كَلَامَهُ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ سَمَاعَ مُوسَى إِيَّاهُ مِنْهُ ثُمَّ حَرَّفَ ذَلِكَ وَبَدَّلَ مِنْ بَعْدِ سَمَاعِهِ وَعِلْمِهِ بِهِ وَفَهْمِهِ إِيَّاهُ. وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ إِنَّمَا أَخْبَرَ أَنَّ التَّحْرِيفَ كَانَ مِنْ فَرِيقٍ مِنْهُمْ كَانُوا يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ اسْتِعْظَامًا مِنَ اللَّهِ لِمَا كَانُوا يَأْتُونَ مِنَ الْبُهْتَانِ بَعْدَ تَوْكِيدِ الْحُجَّةِ عَلَيْهِمْ وَالْبُرْهَانِ، وَإِيذَانًا مِنْهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ وَقَطْعَ أَطْمَاعِهِمْ مِنْ إِيمَانِ بَقَايَا نَسْلِهِمْ بِمَا أَتَاهُمْ بِهِ مُحَمَّدٌ مِنَ الْحَقِّ وَالنُّورِ وَالْهُدَى، فَقَالَ لَهُمْ: كَيْفَ تَطْمَعُونَ فِي تَصْدِيقِ هَؤُلَاءِ الْيَهُودِ إِيَّاكُمْ وَإِنَّمَا تُخْبِرُونَهُمْ بِالَّذِي تُخْبِرُونَهُمْ مِنَ الْإِنْبَاءِ عَنِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَنْ غَيْبٍ لَمْ يُشَاهِدُوهُ وَلَمْ يُعَايِنُوهُ؟ وَقَدْ كَانَ بَعْضُهُمْ يَسْمَعُ مِنَ اللَّهِ كَلَامَهُ، وَأَمْرَهُ وَنَهْيَهُ، ثُمَّ يُبَدِّلُهُ وَيُحَرِّفُهُ وَيَجْحَدُهُ، فَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ مِنْ بَقَايَا نَسْلِهِمْ أَحْرَى أَنْ يَجْحَدُوا مَا أَتَيْتُمُوهُمْ بِهِ مِنَ الْحَقِّ وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَهُ مِنَ اللَّهِ، وَإِنَّمَا يَسْمَعُونَهُ مِنْكُمْ، وَأَقْرَبُ إِلَى أَنْ يُحَرِّفُوا مَا فِي كُتُبِهِمْ مِنْ صِفَةِ نَبِيِّكُمْ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَعْتِهِ وَيُبَدِّلُوهُ وَهُمْ بِهِ عَالِمُونَ فَيَجْحَدُوهُ وَيُكَذِّبُوا، مِنْ أَوَائِلُهُمُ الَّذِينَ بَاشَرُوا كَلَامَ اللَّهِ مِنَ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ ثُمَّ حَرَّفُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَعَلِمُوهُ مُتَعَمِّدِينَ التَّحْرِيفَ. وَلَوْ كَانَ تَأْوِيلُ الْآيَةِ عَلَى مَا قَالَهُ الَّذِينَ زَعَمُوا أَنَّهُ عَنَى بِقَوْلِهِ: ﴿يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ﴾ [البقرة: ٧٥] يَسْمَعُونَ التَّوْرَاةَ، لَمْ يَكُنْ لِذِكْرِ قَوْلِهِ: ﴿يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ﴾ [البقرة: ٧٥] مَعْنَى مَفْهُومٌ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ قَدْ سَمِعَهُ الْمُحَرِّفُ مِنْهُمْ وَغَيْرُ الْمُحَرِّفِ. فَخُصُوصُ الْمُحَرِّفِ مِنْهُمْ بِأَنَّهُ كَانَ يَسْمَعُ كَلَامَ اللَّهِ إِنْ كَانَ التَّأْوِيلُ عَلَى مَا قَالَهُ الَّذِينَ ذَكَرْنَا قَوْلَهُمْ دُونَ غَيْرِهِمْ مِمَّنْ كَانَ يَسْمَعُ ذَلِكَ سَمَاعُهُمْ لَا مَعْنَى لَهُ. فَإِنْ ظَنَّ ظَانٌّ أَنَّمَا صَلُحَ أَنْ يُقَالَ ذَلِكَ لِقَوْلِهِ: ﴿يُحَرِّفُونَهُ﴾ [البقرة: ٧٥] فَقَدْ أَغْفَلَ وَجْهَ الصَّوَابِ فِي ذَلِكَ. وَذَلِكَ أَنَّ ذَلِكَ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَقِيلَ: أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ -[١٤٤]- وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يُحَرِّفُونَ كَلَامَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ؛ وَلَكِنَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَخْبَرَ عَنْ خَاصٍّ مِنَ الْيَهُودِ كَانُوا أُعْطُوا مِنْ مُبَاشَرَتِهِمْ سَمَاعَ كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى مَا لَمْ يُعْطَهُ أَحَدٌ غَيْرُ الْأَنْبِيَاءِ وَالرُّسُلِ، ثُمَّ بَدَّلُوا وَحَرَّفُوا مَا سَمِعُوا مِنْ ذَلِكَ، فَلِذَلِكَ وَصَفَهُمْ بِمَا وَصَفَهُمْ بِهِ لِلْخُصُوصِ الَّذِي كَانَ خَصَّ بِهِ هَؤُلَاءِ الْفَرِيقَ الَّذِي ذَكَرَهُمْ فِي كِتَابِهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ


الصفحة التالية
Icon