[البحر الوافر]
أَلَا أَبْلِغْ بَنِي عُصَمٍ رَسُولًا | بِأَنِّي عَنْ فُتَاحَتِكُمْ غَنِيُّ |
قَالَ: وَيُقَالُ لِلْقَاضِي: الْفَتَّاحُ، وَمِنْهُ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ:
﴿رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ﴾ [الأعراف: ٨٩] أَيِ احْكُمْ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ. فَإِذَا كَانَ مَعْنَى الْفَتْحِ مَا وَصَفْنَا، تَبَيَّنَ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ:
﴿قَالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ﴾ [البقرة: ٧٦] إِنَّمَا هُوَ أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا حَكَمَ اللَّهُ بِهِ عَلَيْكُمْ وَقَضَاهُ فِيكُمْ، وَمِنْ حُكْمِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ عَلَيْهِمْ مَا أَخَذَ بِهِ مِيثَاقَهُمْ مِنَ الْإِيمَانِ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَبِمَا جَاءَ بِهِ فِي التَّوْرَاةِ، وَمِنْ قَضَائِهِ فِيهِمْ أَنْ جَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ أَحْكَامِهِ وَقَضَائِهِ فِيهِمْ، وَكُلُّ ذَلِكَ كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ بِهِ حُجَّةٌ عَلَى الْمُكَذِّبِينَ مِنَ الْيَهُودِ الْمُقِرِّينَ بِحُكْمِ التَّوْرَاةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ. فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ فَالَّذِي هُوَ أَوْلَى عِنْدِي بِتَأْوِيلِ الْآيَةِ قَوْلُ مَنْ قَالَ: مَعْنَى ذَلِكَ:
﴿أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ﴾ [البقرة: ٧٦] مِنْ بَعْثِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى خَلْقِهِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ إِنَّمَا قَصَّ فِي أَوَّلِ هَذِهِ الْآيَةِ الْخَبَرَ عَنْ قَوْلِهِمْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِأَصْحَابِهِ: آمَنَّا بِمَا جَاءَ بِهِ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فَالَّذِي هُوَ أَوْلَى بِآخِرِهَا أَنْ يَكُونَ نَظِيرَ الْخَبَرِ عَمَّا ابْتُدِئَ بِهِ أَوَّلُهَا. وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَالْوَاجِبُ أَنْ يَكُونَ تَلَاوُمُهُمْ كَانَ فِيمَا بَيْنَهُمْ فِيمَا كَانُوا أَظْهَرُوهُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِأَصْحَابِهِ مِنْ قَوْلِهِمْ لَهُمْ: آمَنَّا بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِمَا جَاءَ بِهِ، وَكَانَ قِيلُهُمْ ذَلِكَ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُمْ يَجِدُونَ ذَلِكَ فِي كُتُبِهِمْ وَكَانُوا