: ﴿وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ﴾ [البقرة: ٨٤] ذِكْرُ اخْتِلَافِ الْمُخْتَلِفِينَ فِي ذَلِكَ
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي مُحَمَّدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ أَوْ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: " ﴿ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِنْكُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾ [البقرة: ٨٥] إِلَى أَهْلِ الشِّرْكِ حَتَّى تَسْفِكُوا دِمَاءَهُمْ مَعَهُمْ، وَتُخْرِجُوهُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ مَعَهُمْ. فَقَالَ: أَنَّبَهُمُ اللَّهُ عَلَى ذَلِكَ مِنْ فِعْلِهِمْ، وَقَدْ حَرَّمَ عَلَيْهِمْ فِي التَّوْرَاةِ سَفْكَ دِمَائِهِمْ، وَافْتَرَضَ عَلَيْهِمْ فِيهَا فِدَاءَ أَسْرَاهُمْ؛ فَكَانُوا فَرِيقَيْنِ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مِنْ بَنِي قَيْنُقَاعٍ حُلَفَاءَ الْخَزْرَجِ وَالنَّضِيرُ وَقُرَيْظَةَ حُلَفَاءُ الْأَوْسُ، فَكَانُوا إِذَا كَانَتْ بَيْنَ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ حَرْبٌ خَرَجَتْ بَنُو قَيْنُقَاعٍ مَعَ الْخَزْرَجِ، وَخَرَجَتِ النَّضِيرُ وَقُرَيْظَةُ مَعَ الْأَوْسِ، يُظَاهِرُ كُلٌّ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ حُلَفَاءَهُ عَلَى إِخْوَانِهِ حَتَّى يَتَسَافَكُوا دِمَاءَهُمْ بَيْنَهُمْ وَبِأَيْدِيهِمُ التَّوْرَاةُ يَعْرِفُونَ مِنْهَا مَا عَلَيْهِمْ وَمَا لَهُمْ، وَالْأَوْسُ وَالْخَزْرَجُ أَهْلُ شِرْكٍ يَعْبُدُونَ الْأَوْثَانَ لَا يَعْرِفُونَ جَنَّةً وَلَا نَارًا، وَلَا بَعْثًا، وَلَا قِيَامَةً، وَلَا كِتَابًا، وَلَا حَرَامًا، وَلَا حَلَالًا؛ فَإِذَا وَضَعَتِ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا افْتَدَوْا أَسْرَاهُمْ، تَصْدِيقًا لِمَا فِي التَّوْرَاةِ وَأَخَذَا بِهِ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ: يَفْتَدِي بَنُو قَيْنُقَاعٍ مَا كَانَ مِنْ أَسْرَاهُمْ فِي أَيْدِي الْأَوْسِ، وَتَفْتَدِي النَّضِيرُ وَقُرَيْظَةُ مَا كَانَ فِي أَيْدِي الْخَزْرَجِ مِنْهُمْ، ويُطِلُّونَ مَا أَصَابُوا مِنَ الدِّمَاءِ وَقَتَلُوا مَنْ قَتَلُوا مِنْهُمْ فِيمَا بَيْنَهُمْ مُظَاهَرَةً لِأَهْلِ الشِّرْكِ عَلَيْهِمْ. يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ حِينَ أَنَّبَهُمْ بِذَلِكَ: ﴿أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ -[٢٠٨]- بِبَعْضٍ﴾ [البقرة: ٨٥] أَيْ تُفَادُونَهُ بِحُكْمِ التَّوْرَاةِ وَتَقْتُلُونَهُ؛ وَفِي حُكْمِ التَّوْرَاةِ أَنْ لَا يَقْتُلَ وَلَا يَخْرُجَ مِنْ ذَلِكَ، وَلَا يُظَاهِرَ عَلَيْهِ مَنْ يُشْرِكُ بِاللَّهِ وَيَعْبُدُ الْأَوْثَانَ مِنْ دُونِهِ ابْتِغَاءَ عَرَضٍ مِنْ عَرَضِ الدُّنْيَا. فَفِي ذَلِكَ مِنْ فِعْلِهِمْ مَعَ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ فِيمَا بَلَغَنِي نَزَلَتْ هَذِهِ الْقِصَّةُ "