فَمَعْنَى الْكَلَامِ إِذًا: فَعَلْنَا بِهِمْ ذَلِكَ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُمْ كَانُوا يَجْحَدُونَ حُجَجَ اللَّهِ عَلَى تَوْحِيدِهِ، وَتَصْدِيقَ رُسُلِهِ وَيَدْفَعُونَ حَقِّيَّتَهَا، وَيُكَذِّبُونَ بِهَا. وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ: ﴿وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ﴾ [البقرة: ٦١] وَيَقْتُلُونَ رُسُلَ اللَّهِ الَّذِينَ ابْتَعَثَهُمْ لِإِنْبَاءِ مَا أَرْسَلَهُمْ بِهِ عَنْهُ لِمَنْ أُرْسِلُوا إِلَيْهِ. وَهُمْ جِمَاعٌ وَاحِدُهُمْ نَبِيٌّ، غَيْرُ مَهْمُوزٍ، وَأَصْلُهُ الْهَمْزُ، لِأَنَّهُ مَنْ أَنْبَأَ عَنِ اللَّهِ، فَهُوَ يُنْبِئُ عَنْهُ إِنْبَاءً، وَإِنَّمَا الِاسْمُ مِنْهُ مُنْبِئٌ وَلَكِنَّهُ صُرِفَ وَهُوَ مُفْعِلٍ إِلَى فَعِيلٌ، كَمَا صُرِفَ سَمِيعٌ إِلَى فَعِيلٍ مِنْ مُفْعِلٍ، وَبَصِيرٌ مِنْ مُبْصِرٍ، وَأَشْبَاهُ ذَلِكَ، وَأَبْدَلَ مَكَانَ الْهَمْزَةِ مِنَ النَّبِيءِ الْيَاءَ، فَقِيلَ نَبِيٌّ. هَذَا وَيُجْمَعُ النَّبِيُّ أَيْضًا عَلَى أَنْبِيَاءَ، وَإِنَّمَا جَمَعُوهُ كَذَلِكَ لِإِلْحَاقِهِمُ النَّبِيءَ بِإِبْدَالِ الْهَمْزَةِ مِنْهُ يَاءً بِالنُّعُوتِ الَّتِي تَأْتِي عَلَى تَقْدِيرِ فَعِيلٍ مِنْ ذَوَاتِ الْيَاءِ وَالْوَاوِ. وَذَلِكَ أَنَّهُمْ إِذَا جَمَعُوا مَا كَانَ مِنَ الْمَنْعُوتِ عَلَى تَقْدِيرِ فَعِيلٍ مِنْ ذَوَاتِ الْيَاءِ وَالْوَاوِ جَمَعُوهُ عَلَى أَفْعِلَاءَ، كَقَوْلِهِمْ وَلِيٌّ وَأَوْلِيَاءُ. وَوَصِيٌّ وَأَوْصِيَاءُ. وَدَعِيٌّ وَأَدْعِيَاءُ. وَلَوْ جَمَعُوهُ عَلَى أَصْلِهِ الَّذِي هُوَ أَصْلُهُ. وَعَلَى أَنَّ الْوَاحِدَ نَبِيءٌ مَهْمُوزٌ لَجَمَعُوهُ عَلَى فُعَلَاءَ، فَقِيلَ لَهُمُ النُّبَآءُ، عَلَى مِثَالِ النُّبَغَاءِ، لِأَنَّ ذَلِكَ جُمِعَ مَا كَانَ عَلَى فَعِيلٍ مِنْ غَيْرِ ذَوَاتِ الْيَاءِ وَالْوَاوِ مِنَ الْمَنْعُوتِ كَجَمْعِهِمُ الشَّرِيكَ شُرَكَاءَ، وَالْعَلِيمَ عُلَمَاءَ. وَالْحَكِيمَ حُكَمَاءَ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ. وَقَدْ حُكِيَ سَمَاعًا مِنَ الْعَرَبِ فِي جَمْعِ النَّبِيِّ النُّبَآءُ، وَذَلِكَ مِنْ لُغَةِ الَّذِينَ يَهْمِزُونَ النَّبِيءَ، ثُمَّ يَجْمَعُونَهُ عَلَى النُّبَآءِ عَلَى مَا قَدْ بَيَّنْتُ، وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ عَبَّاسِ بْنِ مِرْدَاسٍ فِي مَدْحِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
[البحر الكامل]