حُدِّثْتُ عَنْ عَمَّارٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ حُصَيْنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، قَالَ: إِنَّ يَهُودِيًّا لَقِيَ عُمَرَ فَقَالَ لَهُ إِنَّ جِبْرِيلَ الَّذِي يَذْكُرُهُ صَاحِبُكَ هُوَ عَدُوٌّ لَنَا. فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: " ﴿مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ﴾ [البقرة: ٩٨] " قَالَ: فَنَزَلَتْ عَلَى لِسَانِ عُمَرَ وَهَذَا الْخَبَرُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ هَذِهِ الْآيَةَ تَوْبِيخًا لِلْيَهُودِ فِي كُفْرِهِمْ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِخْبَارًا مِنْهُ لَهُمْ أَنَّ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِمُحَمَّدٍ فَاللَّهُ لَهُ عَدُوٌّ، وَأَنَّ عَدُوَّ مُحَمَّدٍ مِنَ النَّاسِ كُلِّهِمْ لَمِنَ الْكَافِرِينَ بِاللَّهِ الْجَاحِدِينَ آيَاتِهِ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: أَوَلَيْسَ جِبْرِيلُ وَمِيكَائِيلُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ؟ قِيلَ: بَلَى. فَإِنْ قَالَ: فَمَا مَعْنَى تَكْرِيرُ ذِكْرِهِمَا بِأَسْمَائِهِمَا، وَقَدْ مَضَى ذِكْرُهُمَا فِي الْآيَةِ فِي جُمْلَةِ أَسْمَاءِ الْمَلَائِكَةِ؟ قِيلَ: مَعْنَى إِفْرَادِ ذِكْرِهِمَا بِأَسْمَائِهِمَا أَنَّ الْيَهُودَ لَمَّا قَالَتْ: جِبْرِيلُ عَدُوُّنَا وَمِيكَائِيلُ وَلِيُّنَا، وَزَعَمَتْ أَنَّهَا كَفَرَتْ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَجْلِ أَنَّ جِبْرِيلَ صَاحِبُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَعْلَمَهُمُ اللَّهُ أَنَّ مَنْ كَانَ لِجِبْرِيلَ عَدُوًّا، فَإِنَّ اللَّهَ لَهُ عَدُوٌّ، وَأَنَّهُ مِنَ -[٣٠٣]- الْكَافِرِينَ. فَنَصَّ عَلَيْهِ بِاسْمِهِ، وَعَلَى مِيكَائِيلَ بِاسْمِهِ، لِئَلَّا يَقُولَ مِنْهُمْ قَائِلٌ: إِنَّمَا قَالَ اللَّهُ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ، وَلَسْنَا لِلَّهِ وَلَا لِمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ أَعْدَاءً، لِأَنَّ الْمَلَائِكَةَ اسْمٌ عَامٌّ مُحْتَمِلٌ خَاصًّا وَجِبْرِيلُ وَمِيكَائِيلُ غَيْرُ دَاخِلَيْنِ فِيهِ. وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿وَرُسُلِهِ﴾ [البقرة: ٩٨] فَلَسْتَ يَا مُحَمَّدُ دَاخِلًا فِيهِمْ. فَنَصَّ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى أَسْمَاءِ مَنْ زَعَمُوا أَنَّهُمْ أَعْدَاؤُهُ بِأَعْيَانِهِمْ لِيَقْطَعَ بِذَلِكَ تَلْبِيسَهُمْ عَلَى أَهْلِ الضَّعْفِ مِنْهُمْ، وَيَحْسِمَ تَمْوِيهَهُمْ أُمُورَهُمْ عَلَى الْمُنَافِقِينَ. وَأَمَّا إِظْهَارُ اسْمِ اللَّهِ فِي قَوْلِهِ: ﴿فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ﴾ [البقرة: ٩٨] وَتَكْرِيرُهُ فِيهِ. وَقَدِ ابْتَدَأَ أَوَّلَ الْخَبَرِ بِذِكْرِهِ فَقَالَ: ﴿مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ﴾ [البقرة: ٩٨] فَلِئَلَّا يَلْتَبِسَ - لَوْ ظَهَرَ ذَلِكَ بِكِنَايَةٍ، فَقِيلَ: فَإِنَّهُ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ - عَلَى سَامِعِهِ مَنِ الْمَعْنِيُّ بِالْهَاءِ الَّتِي فِي (فَإِنَّهُ) آللَّهُ أَمْ رُسُلُ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ، أَمْ جِبْرِيلُ، أَمْ مِيكَائِيلُ؟ إِذْ لَوْ جَاءَ ذَلِكَ بِكِنَايَةٍ عَلَى مَا وَصَفْتُ. فَإِنَّهُ يَلْتَبِسُ مَعْنَى ذَلِكَ عَلَى مَنْ لَمْ يُوقَفْ عَلَى الْمَعْنَى بِذَلِكَ لِاحْتِمَالِ الْكَلَامِ مَا وَصَفْتُ. وَقَدْ كَانَ بَعْضُ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ يُوَجِّهُ ذَلِكَ إِلَى نَحْوِ قَوْلِ الشَّاعِرِ:
[البحر الكامل]
لَيْتَ الْغُرَابَ غَدَاةَ يَنْعَبُ دَائِبًا | كَانَ الْغُرَابُ مُقَطَّعَ الْأَوْدَاجِ |