ارْتَفَعَ السِّحْرُ وَالْعِلْمُ بِهِ وَالْعَمَلُ مِنْ بَنِي آدَمَ؛ لِأَنَّهُ إِذَا كَانَ عِلْمُ ذَلِكَ مِنْ قِبَلِهِمَا يُؤْخَذُ وَمِنْهُمَا يُتَعَلَّمَ، فَالْوَاجِبُ أَنْ يَكُونَ بِهَلَاكِهِمَا وَعَدَمِ وُجُودِهِمَا عُدِمَ السَّبِيلُ إِلَى الْوُصُولِ إِلَى الْمَعْنَى الَّذِي كَانَ لَا يُوصَلُ إِلَيْهِ إِلَّا بِهِمَا؛ وَفِي وُجُودِ السِّحْرِ فِي كُلِّ زَمَانٍ وَوَقْتٍ أَبْيَنُ الدَّلَالَةِ عَلَى فَسَادِ هَذَا الْقَوْلِ. وَقَدْ يَزْعُمُ قَائِلُ ذَلِكَ أَنَّهُمَا رَجُلَانِ مِنْ بَنِي آدَمَ، لَمْ يُعْدَمَا مِنَ الْأَرْضِ مُنْذُ خُلِقَتْ، وَلَا يُعْدَمَانِ بَعْدَ مَا وُجِدَ السِّحْرُ فِي النَّاسِ. فَيَدَّعِي مَا لَا يَخْفَى بُطُولُهُ. فَإِذَا فَسَدَتْ هَذِهِ الْوُجُوهُ الَّتِي دَلَّلْنَا عَلَى فَسَادِهَا، فَبَيِّنٌ أَنَّ مَعْنَى: ﴿مَا﴾ [البقرة: ١٠٢] الَّتِي فِي قَوْلِهِ: ﴿وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ﴾ [البقرة: ١٠٢] بِمَعْنَى الَّذِي، وَأَنَّ هَارُوتَ وَمَارُوتَ مُتَرْجَمٌ بِهِمَا عَنِ الْمَلَكَيْنِ؛ وَلِذَلِكَ فُتِحَتْ أَوَاخِرُ أَسْمَائِهِمَا، لِأَنَّهُمَا فِي مَوْضِعِ خَفْضٍ عَلَى الرَّدِّ عَلَى الْمَلَكَيْنِ، وَلَكِنَّهُمَا لَمَّا كَانَا لَا يُجَرَّانِ فُتِحَتْ أَوَاخِرُ أَسْمَائِهِمَا. فَإِنِ الْتَبَسَ عَلَى ذِي غَبَاءٍ مَا قُلْنَا، فَقَالَ: وَكَيْفَ يَجُوزُ لِمَلَائِكَةِ اللَّهِ أَنْ تُعَلِّمَ النَّاسَ التَّفْرِيقَ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ؟ أَمْ كَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يُضَافَ إِلَى اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِنْزَالُ ذَلِكَ عَلَى الْمَلَائِكَةِ؟ قِيلَ لَهُ: إِنَّ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ عَرَّفَ عِبَادَهُ جَمِيعَ مَا أَمَرَهُمْ بِهِ وَجَمِيعَ مَا نَهَاهُمْ عَنْهُ، ثُمَّ أَمَرَهُمْ وَنَهَاهُمْ بَعْدَ الْعِلْمِ مِنْهُمْ بِمَا يُؤْمَرُونَ بِهِ وَيُنْهَوْنَ عَنْهُ. وَلَوْ كَانَ الْأَمْرُ


الصفحة التالية
Icon