الْمَلَائِكَةُ فِي السَّمَاءِ: أَيْ رَبِّ، هَذَا الْعَالَمُ إِنَّمَا خَلَقْتَهُمْ لِعِبَادَتِكَ وَطَاعَتِكَ، وَقَدْ رَكِبُوا الْكُفْرَ، وَقَتْلَ النَّفْسِ الْحَرَامِ، وَأَكْلَ الْمَالِ الْحَرَامِ، وَالسَّرِقَةَ، وَالزِّنَا، وَشُرْبَ الْخَمْرِ. فَجَعَلُوا يَدْعُونَ عَلَيْهِمْ وَلَا يَعْذِرُونَهُمْ. فَقِيلَ لَهُمْ: إِنَّهُمْ فِي غَيْبٍ، فَلَمْ يَعْذِرُوهُمْ، فَقِيلَ لَهُمُ: اخْتَارُوا مِنْكُمْ مَلَكَيْنِ آمْرُهُمَا بِأَمْرِي وَأَنْهَاهُمَا عَنْ مَعْصِيَتِي. فَاخْتَارُوا هَارُوتَ وَمَارُوتَ، فَأُهْبِطَا إِلَى الْأَرْضِ، وَجُعِلَ بِهِمَا شَهَوَاتُ بَنِي آدَمَ، وَأُمِرَا أَنْ يَعْبُدَا اللَّهَ وَلَا يُشْرِكَا بِهِ شَيْئًا، وَنُهِيَا عَنْ قَتْلِ النَّفْسِ الْحَرَامِ، وَأَكْلِ الْمَالِ الْحَرَامِ، وَالسَّرِقَةِ وَالزِّنَا وَشُرْبِ الْخَمْرِ. فَلَبِثَا عَلَى ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ زَمَانًا يَحْكُمَانِ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ، وَذَلِكَ فِي زَمَانِ إِدْرِيسَ، وَفِي ذَلِكَ الزَّمَانِ امْرَأَةٌ حُسْنُهَا فِي سَائِرِ النَّاسِ كَحُسْنِ الزُّهَرَةِ فِي سَائِرِ الْكَوْكَبِ. وَإِنَّهَا أَتَتْ عَلَيْهِمَا فَخَضَعَا لَهَا بِالْقَوْلِ، وَأَرَادَاهَا عَلَى نَفْسِهَا، وَإِنَّهَا أَبَتْ إِلَّا أَنْ يَكُونَا عَلَى أَمْرِهَا وَدِينِهَا، وَإِنَّهُمَا سَأَلَاهَا عَنْ دِينِهَا الَّتِي هِيَ عَلَيْهِ، فَأَخْرَجَتْ لَهُمَا صَنَمًا وَقَالَتْ: هَذَا أَعْبُدُ. فَقَالَا: لَا حَاجَةَ لَنَا فِي عِبَادَةِ هَذَا. فَذَهَبَا فَصَبِرَا مَا شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ أَتَيَا عَلَيْهَا فَخَضَعَا لَهَا بِالْقَوْلِ وَأَرَادَاهَا عَلَى نَفْسِهَا. فَقَالَتْ: لَا إِلَّا أَنْ تَكُونَا عَلَى مَا أَنَا عَلَيْهِ. فَقَالَا: لَا حَاجَةَ لَنَا فِي عِبَادَةِ هَذَا. فَلَمَّا رَأَتْ أَنَّهُمَا أَبَيَا أَنْ يَعْبُدَا الصَّنَمَ، قَالَتْ لَهُمَا: اخْتَارَا إِحْدَى الْخِلَالِ الثَّلَاثِ: إِمَّا أَنْ تُعْبُدَا الصَّنَمَ، أَوْ تَقْتُلَا النَّفْسَ، أَوْ تَشْرَبَا الْخَمْرَ. فَقَالَا: كُلُّ هَذَا لَا يَنْبَغِي، وَأَهْوَنُ الثَّلَاثَةِ شُرْبُ الْخَمْرِ. فَسَقَتْهُمَا الْخَمْرَ، حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْخَمْرُ فِيهِمَا وَقَعَا بِهَا، فَمَرَّ بِهِمَا إِنْسَانٌ وَهُمَا فِي ذَلِكَ، فَخَشِيَا أَنْ يُفْشِيَ عَلَيْهِمَا